العباد فينسخ تلك الآية آية أخرى ، فالأولى منسوخة والأخرى ناسخة. والنّسأ : التّأخير (١) ، والآية : القطعة من القرآن (٢).
قال ابن عباس : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) يقول ما نبدل من آية (٣).
فصل :
وممّا يسأل عنه : أن يقال : ما معنى (ما ننسأها) بالهمز؟
قيل : نؤخّرها (٤) ، قيل : فما معنى التأخير هاهنا؟
ففي هذا جوابان :
أحدهما : أن يكون المعنى نؤخرها فلا ننزّلها ، وننزل بدلا منها ممّا يقوم مقامها في المصلحة ، أو تكون أصلح للعباد منها (٥).
والثاني : أن يكون المعنى نؤخّرها إلى وقت ثان ، ويأتي بدلا منها في الوقت المتقدم ما يقوم مقامها (٦). فأمّا من تأوّل ذلك على معنى يرجع إلى النّسخ ، فلا يحسن إذا كان محصوله في التّقدير : ما ننسخ من آية أو ننسخها ، وهذا لا يصح. ويقال : هل يجوز نسخ القرآن بالسّنة؟
فالجواب : أن بعض أهل العلم أجازه ، وبعضهم منعه (٧). واختلف في القراءة فقرأ ابن عامر (٨) : «ما ننسخ منءاية» بضمّ النّون وكسر السّين ، وقرأ الباقون : (ما نَنْسَخْ) بفتحها (٩).
__________________
(١) العين : ٧ / ٣٠٥ (نسأ) ، واللسان : ١ / ١٦٦ (نسأ).
(٢) ينظر إصلاح المنطق : ٨٧.
(٣) تفسير ابن عباس : ٨٥.
(٤) الصحاح : ١ / ٧٦ (نسأ).
(٥) جامع البيان : ١ / ٣٧٨ ، وزاد المسير : ١ / ١١٠.
(٦) هذا رأي أبي عبيدة في مجاز القرآن : ١ / ٤٩ ، والزجاج في معاني القرآن : ١ / ١٦٧ ، والماوردي في النكت والعيون : ١ / ١٧١.
(٧) أشار إلى هذا الفارسي في الحجة : ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.
(٨) ابن عمار بن نصير بن ميسرة ، أبو الوليد السلمي (ت ٢٤٥ ه). ينظر معرفة القراء : ١ / ١٩٥ ، وغاية النهاية : ٢ / ٢٥٤ ، وقراءته في السبعة : ١٦٨ ، والتيسير : ٧٦.
(٩) معاني القراءات : ١ / ١٦٩ ، والمبسوط : ١٣٤.