ذلك معونة على ما ينازع إليه النّفس من حب الرئاسة والأنفة من الانقياد إلى الطّاعة. وهذا الخطاب وإن كان لأهل الكتاب ، فهو أدب لجميع العباد (١).
ويقال : ما معنى الاستعانة بالصبر؟ قيل : المعنى استعينوا بالاستشعار للصبر.
وقيل : استعينوا بالصبر ، أي : بالصوم (٢).
ويسأل عن معنى : (كبيرة) هاهنا ، والجواب : أنّ الحسن والضّحاك قالا (٣) :
ثقيلة (٤) ، والأصل في ذلك أن ما يكبر يثقل على (٥) الإنسان حمله كالأجسام الجافية.
ويسأل عن الهاء في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) على ما تعود؟ (٦)
والجواب : إنّها تعود على الإجابة للنبي صلىاللهعليهوسلم فهذا قول ، وإن لم يجر للإجابة ذكر ، لأنّ الحال تدل عليها.
وقال قوم : تعود على الاستعانة ؛ لأنّ استعينوا تدلّ على الاستعانة.
ومثله قول الشاعر :
إذا نهي السّفيه جرى إليه |
|
وخالف والسّفيه إلى خلاف (٧). |
أي : جرى إلى السّفه ، ودلّ السّفيه على السّفه ، ومثل الأول : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] يعني : القرآن ، ولم يجر له ذكر ، وقيل : تعود على الصلاة (٨) ، وهو القول المختار ، وجاز أن يردّ عليها لقربها منه ، وقيل : يعود إليهما جميعا (٩) ، وإن كان الضمير
__________________
(١) نبه إلى هذا الزجاج في معاني القرآن : ١ / ١١٥.
(٢) ينظر النكت والعيون : ١ / ١١٥ ، والمجيد (تحقيق : عبد الرزاق) : ٢١٥.
(٣) هو الضحاك بن مزاحم الهلالي ، أبو القاسم ، وقيل أبو محمد (ت ١٠٦ ه) وقيل (١٠٥ ه). ينظر مشاهير علماء الأمصار : ٣٠٨ ، وميزان الاعتدال : ٢ / ٣٢٥.
(٤) جامع البيان : ١ / ٣٧٢.
(٥) في الأصل : (على) مكرره.
(٦) ينظر القول في (ها) في : مجاز القرآن : ١ / ٣٩ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١ / ٨١ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٩٢ ، والبحر المحيط : ١ / ١٨٥.
(٧) استشهد به كثير من أئمة النحو ، ولم ينسبه أحد. ويروى (إذا زجر). الخصائص : ٣ / ٤٩ ، والإنصاف : ١ / ١٤٠ ، وزاد المسير : ٢ / ٦٣.
(٨) معاني القرآن للأخفش : ١ / ٢٥٢ ، وإعراب القرآن لأبي طاهر : ٢٤٥.
(٩) معاني القرآن للأخفش : ١ / ٢٥٢ ، وكشف المشكلات : ١ / ١٨٩ ، والمجيد (تحقيق : عبد الرزاق) : ٢١٥.