وكذلك إذا قال : أوّل كافر به ، وأوّل مؤمن ، فمعناه : أوّل الكافرين وأوّل المؤمنين لا فصل بينهما في لغة ولا قياس ولا فيما يتقبله النّاس.
قال : ومجازه لا تكونوا أوّل قبيل كافر به ، وأوّل حزب كافر به ، وهو ممّا يسوّغ به النّعت ؛ لأنّا نقول : جاءني قبيل صالح وحي كريم.
ونظير ما ذكره أبو العباس (١) ، قول الشاعر :
وإذا هم طعموا فألأم طاعم |
|
وإذا هم جاعوا فشرّ جياع (٢). |
وقال الزجاج (٣) : في هذه المسألة إذا قلت : الجيش رجل ، فإنّما يكره من هذا أن يتوهّم أنّك تقلّله ، فأمّا إذا عرف معناه فهو سائغ جيد ، تقول : جيشهم إنّما هو رجل وفرس ، أي : ليسوا بكثير الأتباع ، فيدلّ المعنى على أنّك تريد : الجيش خيل ورجال ، وهو في [١٣ / و] فاعل ومفعول أبين ، كقولك : الجند مقبل ، والجيش مهزوم.
قال غيره : لا يجوز ، نحن أوّل رجل قام ، ويجوز نحن أوّل قائم (٤).
قال علي بن عيسى (٥) : إنّ جعل الواحد بإزاء الجماعة إذا لم يكن فيه معنى الفعل كان قبيحا ، ألا ترى أنه يقبح : أخوتك أوّل رجل ، وإنّما يحسن : أخوك أوّل رجل ؛ لأنّك ذكرت واحدا فقابلت به واحدا على معنى الجميع ، ولا يجيء على ذلك القياس إذا ذكرت جميعا إلا أن تقابل به الجميع. وقد علمنا أنّهم جعلوا لفظ الواحد في موضع الجمع للإيجاز.
وأبين هذه الأقوال قول أبي العباس.
فصل :
ويقال : إذا كانوا أوّل كافر به ، ما في ذلك من تعظيم الأمر عليهم في أن لا يكونوا ثاني كافر؟
فالجواب : لأنّهم إذا كانوا أئمة في الضّلالة ، كانت ضلالتهم أعظم على نحو ما جاء
__________________
(١) في الأصل : ابن. وهو تحريف.
(٢) البيت من ثلاثة أبيات في النوادر في اللغة : ١٥٤ ، وقد نسبها أبو زيد إلى رجل جاهلي ، واستشهد به الفراء في معانيه : ١ / ٣٣ ، وابن عطية في المحرر الوجيز : ١ / ٢٥٣.
(٣) ينظر معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١١٣.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ١٧٧ ، والمجيد (تحقيق : عبد الرزاق) : ٢١٠.
(٥) لم أقف على قوله فيما توافر لي من مصادر.