فإن قيل : فما الّذي يدلّ على أنّ العامل في (إذ) اذكر ، وأنّه محذوف؟ والجواب : أنّ فيه قولين :
أحدهما : أنّ الأية الّتي قبلها تذكّر بالنّعمة والعبرة في قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). [البقرة : ٢٨] فكأنّه [١٠ / و] قيل اذكر النّعمة في ذلك ، واذكر إذ قال ربّك للملائكة (١).
والقول الثاني : أنّه لمّا جرى خلق السّموات والأرض ، دلّ على ابتداء الخلق كأنّه قال : وابتداء خلقكم إذ قال ربّك للملائكة (٢).
وعلى الأول جمهور العلماء (٣) ، والعرب تحذف إذا كان فيما بقي دليل على ما ألقي ، قال النّمر بن تولب (٤) :
فإنّ المنيّة من يخشها |
|
فسوف تصادفه أينما |
يريد : أينما كان وأينما ذهب.
فصل :
وممّا يسأل عنه أن يقال : ما المراد بالخليفة؟
وفي هذا جوابان : أحدهما : أنّ المراد به آدم وذريته : جعلوا خلائف من الجنّ الّذين كانوا يسكنون الأرض (٥).
والقول الثّاني : أنّ المراد بالخليفة أمم يخلف بعضهم بعضا ، كلّما هلكت أمة خلفتها أخرى (٦).
__________________
(١) ينظر إعراب القرآن لأبي طاهر : ٢٣٤.
(٢) ينظر المصدر نفسه ، والنكت والعيون : ١ / ٩٣.
(٣) ينظر إعراب القرآن للنحاس : ١ / ١٥٦ ، والتبيان في إعراب القرآن : ١ / ٤٦ والبحر المحيط : ١ / ١٣٩ ، والدر المصون : ١ / ٢٤٩.
(٤) هو من عكل ، وكان شاعرا جوادا ، ويسمى الكيس لحسن شعره ، وهو جاهلي وأدرك الإسلام فأسلم. الشعر والشعراء : ١٩٥. استشهد بهذا البيت الزجاجي في جملة : ٢٧٤ ، والماوردي في النكت والعيون : ١ / ٩٣.
(٥) ينظر جامع البيان : ١ / ٤٥٠ ، والتفسير الكبير : ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.
(٦) ينظر جامع البيان : ١ / ٤٥١ ، والنكت والعيون : ١ / ٥٦ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١١٧.