أقول هذا الحديث قد ورد من عدة طرق وقد دل بمضمونه على أن فاطمة علیهما السلام هي سليلة النبوة ورضيعة در الكرم والأبوة ودرة صدف الفخار وغرة شمس النهار وذبالة مشكاة الأنوار وصفوة الشرف والجود وواسطة قلادة الوجود نقطة دائرة المفاخر قمر هالة المآثر الزهرة الزهراء والغرة الغراء العالية المحل الحالة في رتبة العلاء السامية المكانة المكينة في عالم السماء المضيئة النور المنيرة الضياء المستغنية باسمها عن حدها ووسمها قرة عين أبيها وقرار قلب أمها الحالية بجواهر علاها العاطلة من زخرف دنياها أمة الله وسيدة النساء جمال الآباء شرف الأبناء يفخر آدم بمكانها ويبوح نوح بشدة شأنها ويسمو إبراهيم بكونها من نسله وينجح إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله وكانت ريحانة محمد من بين أهله فما يجاريها في مفخر إلا مغلب ولا يباريها في مجد إلا مؤنب ولا يجحد حقها إلا مأفون ولا يصرف عنها وجه إخلاصه إلا مغبون.
وبيان ذلك وتفصيل جمله أن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة على النفور منه محبة للحياة مائلة إليها حتى الأنبياء علیهما السلام على شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله تعالى ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم بما تئول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة ومالوا إليها وكرهوا الموت ونفروا منه وقصة آدم علیهما السلام مع طول عمره وامتداد أيام حياته معلومة.
قِيلَ إِنَّهُ وَهَبَ دَاوُدَ علیهما السلام حِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ ذُرِّيَّتُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ فَلَمَّا اسْتَوْفَى أَيَّامَهُ وَحَانَتْ مَنِيَّتُهُ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ أَجَلِهِ وَحُمَّ حِمَامُهُ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ يَقْبِضُهُ نَفْسَهُ الَّتِي هِيَ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ فَلَمْ تَطِبْ بِذَلِكَ نَفْسُهُ وَجَزِعَ وَقَالَ إِنَّ اللهَ عَرَّفَنِي مُدَّةَ عُمُرِي وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً فَقَالَ إِنَّكَ وَهَبْتَهَا ابْنَكَ دَاوُدَ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ.
وَنُوحٌ علیهما السلام كَانَ أَطْوَلَ الْأَنْبِيَاءِ عُمُراً أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَبِثَ فِي قَوْمِهِ (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) فَلَمَّا دَنَا أَجَلُهُ قِيلَ لَهُ كَيْفَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا فَقَالَ كَدَارٍ