ثمّ قال بعد ذلك ثمّ أباك.
(إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي مرجع المطيع والشاكر لي ولهما ، والعاصي وكافر النّعمة والعاقّ لهما إليّ فأجازي كلّا منهما بعمله وعلى ما يستحقّه ثمّ بالغ مرّة أخرى في التوصية بالإطاعة إلّا في الكفر فهو بمنزلة الاستثناء.
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، فَلا تُطِعْهُما) وإن بذلا جهدهما في أن تعبد غيري وتشركه معي في العبادة فلا تطعهما في ذلك ، فإنّه طاعة فيما ليس لك به علم ، إذ العلم بثبوت الشريك محال لامتناعه في نفسه ، فيكون المراد بنفي العلم به نفيه في نفسه ، وقد يستفاد منه وجوب متابعة العلم ، وعدم متابعة غيره حتّى لو فرض العلم بثبوت الشريك كان الواجب متابعة الوالدين فيه فكيف غيره ، ولكن ذلك محال لامتناع متعلّقه كما عرفت.
(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) صحابا معروفا يرتضيه الشرع وإن كانا كافرين وجاهداك على الشّرك كما سلف ، والمعنى لا تترك الإحسان معهما بل استعمل معهما المعروف بخلق جميل واحتمال ما يصل إليك منهما ، وأكّد ذلك ببرّ وصلة تنعشهما به ونحوه ممّا هو مقتضى المعروف والإحسان في الدّنيا مع قطع النّظر عن آخرتهما.
(وَاتَّبِعْ) في الدّين (سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) بالتوحيد والإخلاص في الطّاعة (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أنت معهما (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فأجازيك على إيمانك واجازيهما على كفرهما ، وفي الكشاف فيه شيئان أحدهما أنّ الجزاء إلىّ فلا تحدّث نفسك بجفوة والديك وعقوقهما لشركهما ، ولا تحرمهما برّك ومعروفك في الدّنيا كما أنّى لا أمنعهما رزقي ، والثاني التّحذير من متابعتهما على الشرك والحثّ على الثبات والاستقامة في الدّين ، بذكر المرجع والوعيد.
__________________
ـ حقوق الأولاد ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٦٢٨.
وانظر أيضا من كتب أهل السنة فضل «الله الصمد» في توضيح الأدب المفرد لفضل الله الجيلاني من ص ٤٤ الى ص ٥٠ ج ١ فيه اختلاف ألفاظ الحديث وطرقه وذكر من أخرجه.