في الصحيح (١) عن أبى عبد الله عليهالسلام قال إذا غربت الشمس في عرفة فأفض مع الناس ، وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار فانّ الله تعالى يقول (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) الحديث ورواه في مجمع البيان (٢) عن الباقر عليهالسلام أيضا فالخطاب مع قريش الّذين كانوا يترفّعون على الناس في الوقوف ولا يقفون معهم ويتعالون عن أن يساووهم فيه ويقولون نحن قطّان الله وسكّان حرمه ، فلا نخرج منه ، فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات فأمروا بأن يساووهم في الموقف وبالإفاضة من عرفات كما يفيض الناس.
وعلى هذا فلفظة «ثمّ» فيها إشارة إلى التراخي الرتبيّ لتفاوت ما بين الافاضتين كقولك : أحسن إلى الناس ثمّ لا تحسن إلى غير كريم ، تأتى بثمّ لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم ، والإحسان إلى غيره ، وبعد ما بينهما ، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال (ثُمَّ أَفِيضُوا) لتفاوت ما بين الإفاضتين في أنّ إحداهما صواب والأخرى خطأ.
كذا في الكشّاف وفيه نظر لعدم تمشّي ما ذكره هنا إذ لا تفاوت بين المتعاطفين فيما نحن فيه فانّ المعطوف عليه هو الإفاضة من عرفات والمعطوف هو الإفاضة منها أيضا نعم التفاوت بين فعلهم وبين ما أمروا به ، وليس ذلك مفاد «ثمّ» ويمكن توجيهه بأنّه قد علم من قوله (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أفيضوا من عرفات إلخ ومن قوله (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ليكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس الواقفون بعرفات ولا تكن
__________________
(١) التهذيب ج ٥ ص ١٨٧ بالرقم ٦٢٣ والحديث طويل ورواه في الكافي بسند آخر ذيل حديث روى صدره أيضا في التهذيب بالرقم ٦١٩ والحديث في الكافي باب الإفاضة من عرفات الحديث ٢ ج ١ ص ٢٩٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٢٥ وحكى الحديث صدره وذيله في المنتقى عن التهذيب ج ٢ ص ٥٣٠ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٥٥ وفي الوسائل الباب ١ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١ و ٢ ص ٣٤٠ وص ٣٤١ ج ٢ ط الأميري.
(٢) راجع مجمع البيان ج ١ ص ٢٩٦.