والعمرة تطوّع (١).
ثمّ اعترض بأنّه معارض بما روي عن عمر أنّ رجلا قال له إنّي وجدت الحجّ والعمرة مكتوبين علىّ أهللت بهما جميعا فقال هديت لسنّة نبيّك (٢) وأجاب بأنّ الرّجل فسّر كونهما مكتوبين عليه بقوله أهللت بهما وإذا أهلّ بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبّر بالتطوّع من الصّلوة وحاصله أنّ الشروع في الندب يوجب إتمامه ثمّ قال : والدّليل الّذي ذكرنا أخرج العمرة من صفة الوجوب فيبقى الحجّ وحده فهما بمنزلة قولك : صم شهر رمضان وستّة من شوّال فإنّك تأمر بفرض وتطوّع وحاصله أنّ مقتضى الأمر الوجوب خرج عنه العمرة لدليل اقتضاه فيبقى الوجوب في الحجّ وليس في كلامه دلالة على أنّ الأمر أريد به الوجوب والندب معا فإنّه يعتقد أن مثل ذلك إلغاز وتعميه ، كما صرّح به في آية الوضوء ، نعم في التّمثيل إشعار بذلك وهو غير مراد.
ويجاب عن الدّليل الّذي زعم أنّه ينفى الوجوب ، بما ذكره القاضي (٣) : أمّا الحديث الأوّل فمعارض بحديث عمر ، كما اعترف به ، وأمّا الجواب عن حديث عمر بأنّه فسّر وجدانهما مكتوبين بقوله أهللت بهما جميعا ، فجاز أن يكون الوجوب بسبب إهلاله بهما فمردود ، بأنّه رتّب الإهلال على الوجدان ، وذلك يدلّ على أنّ الوجدان سبب الإهلال لا العكس ، وهو جيّد على أصولهم ، فإنّهم يعملون بأخبار الصّحابىّ. ولنا أن نجيب عن الحديث بأنّه غير حجّة عندنا والأخبار الصّحيحة قد دلّت على الوجوب على ما عرفت.
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة والطبراني وغيرهما على ما في الشاف الكاف وفيه توضيح ضعف الحديث فراجع.
(٢) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان على ما في الشاف الكاف وفيه أيضا إخراج حديث ابن عباس أنه قال ان العمرة لقرينة الحج عن البخاري والشافعي.
(٣) انظر ص ٤١ من تفسيره ط المطبعة العثمانية ١٣٠٥.