وأنت تعلم أنّ تواطؤ الثلاثین
صحابيا علی الكذب ممّا يمنعه العقل ، فحصول التواتر بمجرّد شهادتهم ـ إذن ـ قطعی
لا ريب فيه ، وقد حمل هذا الحديث عنهم كلّ مَن كان في الرحبه من تلك الجموع ، فبثّوه
بعد تفرّقهم في البلاد ، فطار كلّ مطير.
ولا يخفي أنّ يوم الرحبه إنّما كان في خلافه
أمير المؤمنين ، وقد بويع سنه خمس وثلاثين ، ويوم الغدير إنّما كان في حجّه الوداع
سنه عشر ، فبين اليومين ـ في أقلّ الصور ـ خمس وعشرون سنه ، كان في خلالها طاعون
عمواس ، وحروب الفتوحات والغزوات علی عهد الخلفاء الثلاثه ..
وهذه المدّه ـ وهی ربع قرن ـ بمجرّد
طولها وبحروبها وغاراتها ، وبطاعون عمواسها الجارف ، قد أفنت جلّ من شهد يوم الغدير
من شيوخ الصحابه وكهولهم ، ومن فتيانهم المتسرعين ـ في الجهاد ـ إلی لقاء
اللّٰه عزّ وجلّ ورسوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، حتّی
لم يبق منهم حيا بالنسبه إلی مَن مات إلّا قليل ..
والأحياء منهم كانوا منتشرين في الأرض ،
إذ لم يشهد منهم الرحبه إلّا من كان مع أمير المؤمنين في العراق من الرجال دون
النساء.
ومع هذا كلّه فقد قام ثلاثون صحابيا ، فيهم
اثنا عشر بدريا ، فشهدوا بحديث الغدير سماعاً من رسول اللّٰه صلّی
اللّٰه عليه وآله وسلّم ..
وربّ قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب
الشهاده ، كأنس
بن مالك
__________________