قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير البغوي [ ج ٥ ]

53/363
*

قال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخرجوا» ، قالوا إلى أين؟ قال : «إلى أرض المحشر ثم ، يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام».

وقال الكلبي : إنما قال لأول الحشر لأنهم كانوا أول من أجلى من أهل الكتاب من جزيرة العرب ، ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال مرة الهمداني : كان أول الحشر من المدينة والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحا من الشام في أيام عمر. وقال قتادة : كان هذا أول الحشر والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا : (ما ظَنَنْتُمْ) ، أيها المؤمنون (أَنْ يَخْرُجُوا) ، من المدينة لعزتهم ومنعتهم وذلك أنهم كانوا أهل حصون وعقار ونخيل كثيرة ، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) ، أي وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله ، (فَأَتاهُمُ اللهُ) ، أي أمر الله وعذابه ، (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) ، وهو أنه أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتالهم وإجلائهم وكانوا لا يظنون ذلك ، (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) ، بقتل سيدهم كعب بن الأشرف ، (يُخْرِبُونَ) ، قرأ أبو عمر بالتشديد والآخرون بالتخفيف ومعناهما واحد ، (بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ).

[٢١٥٧] قال الزهري : وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صالحهم على أن لهم ما أقلّت الإبل ، كانوا ينظرون إلى الخشب في منازلهم فيهدمونها وينزعون منها ما يستحسنونه فيحملونه على إبلهم ، ويخرب المؤمنون باقيها.

قال ابن زيد : كانوا يقلعون العمد وينقضون السقوف وينقبون الجدران ويقلعون الخشب حتى الأوتاد يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسدا منهم وبغضا. قال قتادة : كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها ويخربها اليهود من داخلها. قال ابن عباس رضي الله عنهما : كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها لتتسع لهم المقاتل ، وجعل أعداء الله ينقبون دورهم في أدبارها فيخرجون إلى التي بعدها فيتحصنون فيها ويكسرون ما يليهم ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذلك قوله عزوجل : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا) ، فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم ، (يا أُولِي الْأَبْصارِ) ، يا ذوي العقول والبصائر.

(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥))

(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) ، الخروج من الوطن ، (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) ، بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة ، (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ ذلِكَ) ، الذي لحقهم ، (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) ، الآية.

__________________

[٢١٥٧] ـ مرسل. أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٣١٨٤ والطبري ٣٣٨٢٥ عن الزهري مرسلا بنحوه.

ـ وقوله «صالحهم على أن لهم ما أقلّت الإبل».

ـ أخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية. وعبد الرزاق في «المصنف» ٥ / ٣٥٧ من طريق الزهري عن عروة بن الزبير مرسلا.