فإن قلت : قد ذكر العدليّة في الاستدلال على وجوب شكر المنعم بأنّ في تركه احتمال المضرّة ، وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه : استحقاق العقاب على ترك الشكر لمن لم يبلغه (١٥١٣) دعوة نبيّ زمانه ، فيدلّ ذلك على استحقاق العقاب (١٥١٤) بمجرّد ترك (*) دفع الضرر الاخروي المحتمل. قلت : حكمهم باستحقاق
______________________________________________________
رخّص في الارتكاب بمقتضى عموم أخبار البراءة ، فلو لا جبره للضرر المحتمل بمصلحة اخرى لزم إذنه في الدخول فيه من دون جبره بشيء ، وهو قبيح. ولعلّ هذا مراد المصنّف رحمهالله كما يظهر من تلك المسألة.
نعم ، لمّا كان العقاب الاخروي غير منجبر بمصلحة أصلا ، فالترخيص في مورد احتماله لا يكون إلّا بعد ارتفاع نفس هذا الضرر ، فالترخيص في مورده حينئذ إن ثبت على سبيل القطع فهو يكشف عن عدم العقاب قطعا ، وإن ثبت ظنّا كشف عن عدمه كذلك.
ثمّ إنّ المصلحة الجابرة لا بدّ أن تكون موازنة للمفسدة المجبورة ، وإلّا لزم تفويت مقدار التفاوت من دون جبره بشيء. ولعلّ مصلحة تسهيل الأمر من هذا القبيل في الجملة ، لعدم بلوغها على إطلاقها حدّ الإلزام إلّا في موارد يلزم من عدم الرخصة فيها في الفعل اختلال النظم أو العسر المنفي شرعا ، فتدبّر.
١٥١٣. أي : لم تثبت عنده نبوّة مدّعيها ، سواء لم تبلغه دعوته أو بلغته ولم تثبت عنده ، كما يشير إليه قوله في الجواب : «مع عدم العلم به من طريق شرعيّ».
١٥١٤. سواء صادف الواقع أم لا ، فلا يتمّ ما تقدّم من عدم العقاب مع عدم المصادفة. وحاصل ما أجاب به أنّ حكمهم بترتّب العقاب على المخالفة إنّما هو لأجل العلم بالمصادفة في خصوص المقام ، لا لأجل مخالفة ما حكم به العقل مطلقا. وذلك لأنّ تشريع الأحكام ، ووجود نبيّ في كلّ زمان ، ووجوب الشكر لكلّ واحد من الأنام ، لمّا كان ثابتا عندهم فأطلقوا القول بعقاب تارك الفحص ، وغرضهم أنّ أثر حكم العقل بوجوب دفع الضرر الاخروي المحتمل إنّما يظهر في
__________________
(*) في بعض النسخ : كلمة «ترك» زائدة.