بوجهين آخرين هما كالدليل على المطلب ، أحدهما الأخبار الدالّة على هذا المعنى : منها قوله صلىاللهعليهوآله : «ما اجتمع الحلال والحرام إلّا غلب الحرام الحلال» ، والمرسل المتقدّم : «اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس» ، وضعفها ينجبر (١٤٩٤) بالشهرة المحقّقة والإجماع المدّعى في كلام من تقدّم.
ومنها : رواية ضريس عن السّمن والجبن في أرض المشركين؟ «قال : أمّا ما علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكل ، وأمّا ما لم تعلم فكل» (٤) ، فإنّ الخلط يصدق (١٤٩٥) مع الاشتباه. ورواية ابن سنان : «كلّ شىء حلال حتّى يجيئك شاهدان أنّ فيه الميتة» (٥) ، فإنّه يصدق على مجموع قطعات اللحم أنّ فيه الميتة.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآله في حديث التثليث : «وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم» بناء على أنّ المراد بالهلاكة ما هو أثر للحرام ، فإن كان الحرام لم يتنجّز
______________________________________________________
توقّفها على الاحتياط ، إذ المتوقّف عليه هو العلم بها دون نفسها ، إذ لا ريب في تحقّق إطاعة النهي لو ترك أحد المشتبهين واتّفق كونه هو الحرام الواقعي.
ثمّ إنّ الوجه فيما استشكله ليس هو عدم جواز مخالفة حكم العقل بالأدلّة الشرعيّة ، لوضوح حكومة أدلّة البراءة عليها ، بل هو عدم تماميّة دلالة تلك الأدلّة ، كما هو واضح.
١٤٩٤. يؤيّده أنّ المرسل الأوّل محكيّ عن السرائر ، والحلّي لا يعمل بأخبار الآحاد.
١٤٩٥. فلا يمكن أن يتوهّم أنّ الخلط إنّما يصدق مع الامتزاج الذي تقدّم خروجه من محلّ النزاع. قال في المصباح : «خلطت الشيء بغيره خلطا ـ من باب ضرب ـ ضممته إليه فاختلط هو. وقد يمكن التميّز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات ، وقد لا يمكن كخلط المائعات ، فيكون مزجا. قال المرزوقي : أصل الخلط تداخل أجزاء الأشياء بعضها في بعض ، وقد توسّع فيه حتّى قيل : رجل خليط إذا اختلط كثيرا بالناس ، والجمع خلطاء ، مثل شريف وشرفاء. ومن هنا قال