(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢)
٥١ ـ (وَأَنْذِرْ بِهِ) بما يوحى (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) هم المسلمون المقرّون بالبعث إلّا أنهم مفرطون في العمل ، فينذرهم بما أوحي إليه ، أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) في موضع الحال من يحشروا ، أي يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يدخلون في زمرة أهل التقوى.
ولما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بإنذار غير المتقين ليتقوا أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهي عن طردهم بقوله :
٥٢ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم ، أي عبادته ويواظبون عليها ، والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام ، أو معناه يصلّون صلاة الصبح والعصر ، أو الصلوات الخمس. بالغدوة شامي ، ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) فالوجه يعبّر به عن ذات الشيء وحقيقته. نزلت في الفقراء بلال (١) وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين لو طردت هؤلاء السقاط لجالسناك ، فقال عليهالسلام : (ما أنا بطارد المؤمنين) فقالوا اجعل لنا يوما ولهم يوما وطلبوا بذلك كتابا ، فدعا عليا رضي الله عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية ، فنزلت فرمى عليه الصلاة والسلام بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم (٢) (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) كقوله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) (٣) (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم فقال حسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك كما أنّ حسابك عليك لا يتعداك إليهم (فَتَطْرُدَهُمْ) جواب النفي ، وهو ما عليك من حسابهم (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) جواب النهي ، وهو ولا تطرد ، ويجوز أن يكون عطفا على فتطردهم على وجه التسبيب ، لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم.
__________________
(١) بلال : هو بلال بن رباح الحبشي ، أبو عبد الله مؤذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخازنه على بيت ماله ، وأحد السابقين للإسلام توفي عام ٢٠ ه (الأعلام ٢ / ٧٣).
(٢) حديث ما أنا بطارد المؤمنين رواه البيهقي في الشعب في أواخره والواحدي في الأسباب.
(٣) الشعراء ، ٢٦ / ١١٣.