وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١٦٠)
(مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في محل النصب بإضمار أعني ، وهو نصب على المدح (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بدل من الصلة وهي له ملك السماوات والأرض ، وكذلك (يُحيِي وَيُمِيتُ) وفي لا إله إلا هو بيان للجملة قبلها ، لأنّ من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة ، وفي يحيي ويميت بيان لاختصاصه بالإلهية إذ لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) أي الكتب المنزلة (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ولم يقل فآمنوا بالله وبي بعد قوله (أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) (١) ليجرى عليه الصفات التي أجريت عليه ، ولما في الالتفات من مزية البلاغة ، وليعلم أنّ الذي وجب الإيمان به هو هذا الشخص الموصوف بأنه النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا من كان أنا أو غيري إظهارا للنّصفة وتفاديا من العصبية لنفسه.
١٥٩ ـ (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي يهدون الناس محقين أو بسبب الحقّ الذي هم عليه (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وبالحقّ يعدلون بينهم في الحكم لا يجورون ، قيل هم قوم وراء الصين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج ، أو هم عبد الله بن سلام وأضرابه.
١٦٠ ـ (وَقَطَّعْناهُمُ) وصيرناهم قطعا ، أي فرقا ، وميّزنا بعضهم من بعض (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) كقولك اثنتي عشرة قبيلة ، والأسباط أولاد الولد ، جمع سبط ، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولدا من ولد يعقوب عليهالسلام. نعم مميز ما عدا العشرة مفرد ، فكان ينبغي أن يقال اثني عشر سبطا ، لكن المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة ، وكلّ قبيلة أسباط لا سبط ، فوضع أسباط موضع قبيلة (أُمَماً) بدل من اثنتي عشرة ، أي وقطعناهم أمما ، لأنّ كلّ أسباط كانت أمة عظيمة وكلّ واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ
__________________
(١) الصف ، ٦١ / ٥ و ٦.