وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
____________________________________
الإسلام بجميع شرائطه (١) ، فأنزل الله سبحانه : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) بتأييدك من لدنه وتثبيتك على الصحيح الحق (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أي قصدت وأضمرت جماعة من هؤلاء ـ والضمير عائد إلى المقدّر ، نحو : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (٢) ـ (أَنْ يُضِلُّوكَ) بأن تجيز لهم ما أرادوا. وقيل إن الآية من تتمة قصة ابن أبيرق وما أراده المزكي من تزكية السرّاق وإلقاء التهمة على البريء.
(وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) إذ وبال كلامهم يعود إلى أنفسهم فهم يزيلون أنفسهم عن الحق ويهلكونها ، لا أنهم يزيلونك ويهلكونك ، ثم المراد بقوله «لو لا» نفي تأثير ما همّ به أولئك في الرسول لا نفي همّهم ، فالمراد : أنه لو لا فضل الله لأضلوك ، لا أن المراد : لو لا فضل الله لهمت طائفة .. (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) فإنهم لا يضرونك ـ بكيدهم ـ في الدنيا لأن الله ناصرك ، ولا في الآخرة (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ) يا رسول الله (الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي علم وضع الأشياء مواضعها وتقدير الأشياء بأقدارها ، فأنت العالم بالأشياء الحكيم في التطبيق ، فكيف يمكن إضلالك ـ كما همّ أولئك ـ فإن الإضلال يحصل لمن لا يعرف الأشياء أو لا يتمكن من وضع الأشياء مواضعها
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٣ ص ١٨٨.
(٢) النساء : ١٢.