فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ
____________________________________
الزائر يعمر المكان بزيارته ، والحج والعمرة عملان من أعمال الحج (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أي يسعى بينهما ، وإنما عبر ب «لا جناح» لأن المسلمين تحرجوا من الطواف بهما ظنا منهم أنه من عمل المشركين ، حيث كان على الصفا صنم يسمى «أساف» وعلى المروة صنم يسمى «نائلة» فهو ترخيص في مقام توهم الحصر ، ومن المعلوم أن الإباحة في مقام توهم الحصر ، والنهي في مقام توهم الوجوب ، لا يدلان على مفادهما الأولية ، لأنه لإثبات أصل الطرف الآخر ، لا خصوصيته الإباحية والتمويمية (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) أي أتى بخير من الأعمال والأفعال تطوعا ، والتطوع التبرع بالشيء من الطوع بمعنى الانقياد (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ) لعملهم ومعنى شكره تقديره وجزائه للعامل (عَلِيمٌ) بأعمالهم ، فلا يفوته شيء منها.
[١٦٠] لعل ارتباط هذه الآية بما ورد قبلها ، أن اليهود والنصارى لم يفعلوا مثل ما فعل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حول الصفا والمروة ، فالرسول أبطل كل شيء حول الحج ، وأقام كل حق فيه ، فالصفا والمروة ، حيث كانا حقا أثبتهما الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن ظن الناس أنهما من الباطل ، لكن أهل الكتاب حشروا كل ما أتى به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مما عرفوه حقا ـ في زمرة الباطل ، ولذا صار الكلام السابق ، فاتحة للتعريض بهم ، فهو مثل أن يقول أحد أنا اعترفت بالحق ، لكنه لم يعترف بما علم من الحق ، والله أعلم بموارده (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) فيخفون الأدلة