إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)
____________________________________
(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يخلفني في الأمر والنهي والإرشاد ، وهذا الحوار إنما كان لأجل إظهار كوامن ، وبيان حقائق (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) أي في الأرض (مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وهذا استفهام حقيقي ، يريدون بذلك استيضاح السبب ، ولعلهم إنما علموا بذلك ، لما كانوا يدرون من كدرة الأرض وثقلها الموجبة للفساد والتكدر ، أو لما رأوا من فعل بني الجان سابقا (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) ففينا الكفاية ، وليس هذا تزكية ، بل كقول العبد المطيع لمولاه : إني أقوم بخدمتك فلما ذا تأتي بغيري الذي لا يقوم بالواجب ، ومعنى التسبيح التنزيه ، وكان المراد من التسبيح بحمده ، التنزيه المقترن بالحمد ، مقابل التنزيه غير المقترن به ، كتنزيه الجوهرة الثمينة عن النقائص ، لكن التنزيه فيها لا يقترن بالحمد ، إذ ليس ذلك باختيارها بخلافه تعالى المقترن أفعاله وأعماله بالإرادة (وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي أن تقديسنا وتنزيهنا لأجلك لا يشوبه رياء وسمعة (قالَ) الله تعالى في جواب الملائكة السائلين عن السبب (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فإن في استخلاف البشر ، مصالح أهم من الفساد الواقع منهم ، كما أن استخلافهم أهم من استخلافكم فإن منهم من الأخيار والصالحين من لا يلحقه الملك المقرب ، بالإضافة إلى أنه خلق يظهر من عظمة الصانع نوعا جديدا.
[٣٢] وإذا أراد الله تعالى إعلام الملائكة ببعض مزايا البشر ، وإنه من جنس