فلمّا عرف النّاس أنّه لا فضل لبعضهم على بعض إلاّ بالتقوى عند الله ، أتى طلحة والزبير عمّار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيّهان ، فقالا : يا أبا اليقظان ، استأذن لنا على صاحبك.
قال : وعلى صاحبي إذن؟!
قد أخذ بيد أجيره وأخذ مكتله ومسحاته وذهب يعمل في نخلة في بئرالملك(١) ، وكانت بئر ينبع سمّيت بئر الملك ، فاستخرجها عليٌّ بن أبي طالب عليهالسلام وغرس عليها النخل ، فهذا من عدله في الرّعيّة وقسّمه بالسويّة(٢).
قال ابن دأب : فقلنا : فما أدنى طعام الرّعيّة؟
فقال : يحدّث الناس أنّه كان يطعم الخبز واللّحم ، ويأكل الشعير والزَّيت ، ويختم طعامه مخافة أن يزاد فيه ، وسمع مقلى في بيته ، فنهض وهو يقول : «في ذمّة عليّ بن أبي طالب مقلى الكراكر» ، قال : ففزع عياله وقالوا : يا أميرالمؤمنين ، إنّها امرأتك فلانة نحرت جزوراً في حيّها فأخذ لها نصيب منهافأهدى أهلها إليها ، قال : «فكلوا هنيئاً مريئاً» ، قال : فيقال : إنّه لم يشتك ألماًإلاّ شكوى الموت ، وإنّما خاف أن يكون هديّة من بعض الرّعيّة ، وقبول الهديّة لوالي المسلمين خيانة للمسلمين.
قال : قيل : فما الصرامة(٣)؟
قال : انصرف من حربه فعسكر في النخيلة ، وانصرف الناس إلى منازلهم واستأذنوه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، كلّت سيوفنا ، ونصلت أسنّة
__________________
(١) بئر الملك : بالمدينة منسوبة إلى تبع. معجم البلدان ١ / ٣٠٢.
(٢) الخرائج ١ / ١٨٧ / ح٢١ ، شرح الأخبار ١ / ٣٧٤ ، حلية الأبرار ٢ / ٢٥٧ / ح١٠.
(٣) في المطبوع ونسخة «ح» : فالصرامة.