رماحنا ، فأذن لنا ننصرف فنعيد بأحسن من عدّتنا ، وأقام هو بالنخيلة.
وقال : «إنَّ صاحب الحرب الأرق الذي لا يتوجّد من سهر ليله وظمأ نهاره ، ولا فقد نسائه وأولاده ؛ فلا الذي انصرف فعاد فرجع إليه ، ولا الّذي أقام فثبت معه في عسكره أقام» ، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة فصعد المنبر ، فقال : «لله أنتم! ما أنتم إلاّ أُسد الشرى في الدَّعة(١) ، وثعالب روَّاغة(٢) ، ما أنتم بركن يصال به ، ولا زوافر(٣) يفتقر إليها(٤) ، أيّها المجتمعة أبدانهم ، والمختلفة أهواؤهم ، ما عزَّت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم(٥) ، مع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟! وأيّ دار بعد داركم تمنعون؟! فكان في آخر حربه أشدُّ أسفاً وغيظاً وقد خذله الناس(٦).
قال : فما الحفظ؟
قال : هو الذي تسمّيه العرب : العقل ، لم يخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشيء قطّ إلاّ حفظه ، ولا نزل عليه شيء قطّ إلاّ وعي به ، ولا نزل من أعاجيب السماءشيء قطّ إلى الأرض إلاّ سأل عنه حتّى نزل فيه : (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(٧).
__________________
(١) الدَّعة : خفض العيش. معجم مقاييس اللّغة ٦ / ٩٦ (دعع).
(٢) الرَّوَّاغ : الثعلب. وهو كثير الخداع والمكر. العين ٤ / ٤٤٥ (روغ).
(٣) الزَّوافر : جمع زافرة ، وهي من البناء ركنه ، ومن الرجل عشيرته وأنصاره وخاصّته.
(٤) في المطبوع : ولا زوافر عزّ يفتقر إليها ، وما في المتن أثبتّه من النسخ.
(٥) في البحار : ما شاكم.
(٦) نهج البلاغة ١ / ٧٥ خطبة ٢٩ ، دعائم الإسلام ١ / ٣٩١ ، المسترشد للطبري : ٦٧٢ / ح٣٤٢ ، الإرشاد ١ / ٢٧٣ ، البيان والتبيين ٢ / ٢٦ ، العقد الفريد ٤ / ١٦١ ، نثر الدرر١ / ٢٧٢ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ / ١٠٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٣٠.
(٧) سورة الحاقّة ٦٩ : ١٢.