هكذا قطعت أحاديث النبىّ وأهل بيته عليه وعليهم السلام مراحلها الزمنيّة من حيث الإسناد والنقل حتّى وصلت إلينا محلولةً مشاكلها ، معروفةً الصحيح منها من الدخيل ، فعلينا أن نسبر القرائن الموجودة في كلّ واحد من مؤلّفات أصحابنا وأن نستخرج منهجية الأخذ في الكتب الحديثيّة والمصادر التي اعتمدوا عليها ، وإنّه لجدير بالباحثين في علوم الشريعة أن يعطوا مزيداً من العناية لهذا البحث ويعيّنوا من خلال ذلك المصادر المأخوذة منها أخبار كلّ كتاب حتّى يميّزوا قيمته العلميّة ، ولا يخفى علينا ثمرات هذا البحث وأهمّيّته لكي نعالج به قيمة تراثنا العلمي.
الراوندي وقصص الأنبياء وما روى فيه من الأخبار :
وبعد كلّ هذا وذاك فنحن ـ فيما يلي ـ نتصدّى للبحث عن مصادر الشيخ الإمام والفقيه الشهير والمحدّث الخبير قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي (المتوفّى ٥٧٣ هـ) في كتابه قصص الأنبياء ، فنقول :
إنّه رحمهالله عاش في الفترة التي ابتدأ فيها التحوّل النقلي من الطبقة الأُولى إلى الطبقة الثانية وهما اللتان مَرّ بيانهما آنفاً ـ يعني رواية الأحاديث مع ذكر الطرق بدون التصريح بأسماء الكتب ، والرواية مع التصريح وذكر الطرق في أوّل الكتاب أو أثنائه ـ وذلك أنّه روى الأخبار والأحاديث الواردة في هذا الكتاب مسندةً من دون أن يصرّح بأسماء مصادرها ذاكراً طرقه في أوّل أكثر
__________________
والشيخ البهائي محمّد بن الحسين العاملي (المتوفّى ١٠٣١ هـ) والعلاّمة محمّد باقر المجلسي (المتوفّى ١١١٠ هـ) والمحدّث الميرزا حسين النوري (المتوفّى ١٣٢٠هـ) ، وقد يعدّ هؤلاء الأعلام حلقات اتّصال السند إلى قدمائنا رضوان الله عليهم أجمعين ، واتّصلت رواية المتأخرين في سلسلة الأسانيد إلى هؤلاء الأعاظم.