الثالثة : لم يسندوا طرقهم إلى مؤلِّف مصادرهم واكتفوا باسم مصدر التخريج استغناءً بشهرة الكتب والأحاديث واعتماداً على كثرة الطرق والأسانيد ، نشاهد هذه الطريقة بين المحدّثين وأصحاب المدوّنات الحديثيّة من القرن الثامن إلى زماننا هذا ، فإنّهم ذكروا طرقهم وأسانيدهم إلى المصنّفات والأُصول القديمة في كتب ورسائل مستقلّة خصّصوها لهذه المهمّة ، وذلك مثل الإجازات الصغيرة والكبيرة والأثبات الموضوعة لهذا المعنى ، فإنّ الأسانيد كانت ولا تزال موضع اهتمام كبير لدى المشتغلين في هذه الطبقة بحيث لا يوجد طالب علم في هذه الطبقات لم يكن عنده طريق أو طرق متعدّدة للاتّصال إلى شيوخنا المؤلّفين ومؤلّفاتهم(١).
__________________
الطوسي تلقّاه الله جلّ جلاله ببلوغ المأمول ، فإنّه روى في جملة ما رواه عن الشيخ الصدوق هارون بن موسى التلّعكبرىّ ـ قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ـ كلّما رواه ، وكان ذلك الشيخ الصدوق قد اشتملت روايته على جميع الأُصول والمصنّفات إلى زمانه ...» إلى أن قال : «ثمّ رويت بعدّة طرق عن جدّي أبي جعفر الطوسي كلّ ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينىّ وكلّ ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه وكلّ ما رواه السعيد المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان وكلّ ما رواه السيّد المعظّم المرتضى وغيرهم ممّن تضمّن كتاب الفهرست وكتاب أسماء الرجال وغيرهما رواية جدّي أبي جعفر الطوسي عنهم رضوان الله عليهم وضاعف إحسانه إليهم» انتهى كلامه.
وسرد بعد ذلك طريقين من طرقه روايةً عن مشايخه إلى الشيخ الطوسي ثمّ قال تعليقاً على طريقه الأخير : «وهذه روايتي عن أسعد بن عبد القاهر الإصفهاني اشتملت على روايتي عنه للكتب والأُصول والمصنّفات ، وبعيد أن يكون قد خرج عنها شيء من الذي أذكره من الروايات».
(١) من أمثلة الصورة الثالثة : العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (المتوفّى ٧٢٦ هـ) والشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (المتوفّى ٧٨٦ هـ) والشيخ علي بن يونس البياضي (المتوفّى ٨٧٧ هـ) والمحقّق الثاني علي بن الحسين الكركي (المتوفّى ٩٤٠ هـ) والشهيد الثاني زين الدين بن أحمد العاملي (المتوفّى ٩٦٥ هـ)