الذهبي لارتقاء وتكامل العلوم الإسلامية ـ من جهة ووجود الكثير من المصادر الإسلامية القديمة ـ التي فقدت في العهود المتأخّرة ـ من جهة أُخرى كلّ ذلك صار سبباً لتمكين الشيخ المفيد من الاستفادة من هذه الفرصة للوصول بمؤلّفاته إلى ما وصل إليه من عمق الفكرة وقوّة الطرح ، فمن هنا أخذ البعض يعدّ مؤلّفاته من جملة مصادر التاريخ الإسلامي لاحتوائها على محتويات كتب مفقودة(١).
إذا أردنا أن نعرف المصادر التي استفاد منها الشيخ المفيد في أبحاثه التاريخية فعلينا أن نقوم بتبويب لذلك ، لأنّه لم يعتمد في نقل الأحداث التاريخية على مصدر واحد أو مصادر محدّدة ولم يأخذ من طريق أو منهجيّة معيّنة ، فمن هنا لابدّ لنا أن نقسّم المصادر التي استفاد منها إلى عدّة مجموعات :
المجموعة الأُولى : الكتب أو الروايات التي ذكرها ولكن لم يتبيّن نوعية الاستفادة منها أو حتّى لم يتبيّن أحياناً المقدار الذي استفاده منها ، وهذه المجموعة من المصادر على قلّتها إلاّ أنّها تعدّ خير دليل لمعرفة بعض من آرائه في تدوين التاريخ ، ولابدّ لنا أن نشير إلى أنّ المصادر المذكورة لم تكن كلّها تاريخية بل إنّ البعض منها كان أدبيّاً أو مرتبطاً بعلوم أُخرى ، وهذه المجموعة عبارة عن :
١ ـ البيان والتبيين : تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب المعروف بـ (الجاحظ) (المتوفّى ٢٥٥ هـ)(٢) ، وقد عدّه البعض من أحد الثلاثة الذين كانوا يحرصون على طلب العلم بحيث كان يقرأ كلّ كتاب يعثر
__________________
(١) الجمل : ٢٤.
(٢) الفهرست لابن النديم : ٢٠٨ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٢٢٠.