الحق أن يتبعوه ، ويتبع الحق أهواءهم ، وفى هذا بيان أن هذا العنف جزاء
وفاق لما كان منهم من غطرسة مقيتة ، فإنهم سيعاملون بمثلها يوم القيامة ، يوم لا
ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الكلمتان
السادسة والسابعة : (إِلى سَواءِ
الْجَحِيمِ) فكلمة سواء معناها المكان المتوسط ، والجحيم النار
المتأججة التى تكون فى مهواة ، والصورة التى توضحها كل كلمة من هذه أنه يؤخذ عنوة
ويوضع فى وسط النيران المتأججة التى تشتعل وتتأجج مرتفعة من وهدة جهنم إلى أعلى ،
ويلقى فى المكان المتوسط بحيث لا يكون قادرا على الخروج منها ، بل هو فى وسطها لا
ينتقل إلا إليها ، وليته يستمر على حاله لم يجئ له عذاب من خارجها ، بل إنه يجيئه
العذاب من الخارج ، فيلتقى عذاب الداخل والخرج معا بل يجيء ما تدل عليه العبارات التالية
:
الكلمات
الثامنة والتاسعة والعاشرة : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ
رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) ، والصب هو نزول الماء من أعلى إلى أسفل ، ويكون متدفقا
مندفعا ، وهو مرتفع من فوق رأس الأثيم من عذاب الحميم ، فالصب فى ذاته من عل يؤلم
ولو كان ماء باردا.
فكيف الحال إذا
كان عذابا ، فهو صب لا لأجل التبريد ، ولكن لأجل التعذيب ، والإضافة هنا بيانية أى
عذاب هو الحميم ، وهو السائل الحار الشديد الحرارة ، فهو عذاب ينزل فوق الرأس ،
فيذيب أديمه ، ويصهره دهنا.
وباجتماع
الآيات من أولها يكون العذاب المهين فى غذاء من المهل من الزيت الردىء يغلى فى
البطن من شدة العفن ، ويغلى من شدة الحرارة ، ويساق فى هذه الحال مأخوذا أخذا
عنيفا محيطا بمجامعه إلى وسط جهنم ، ثم ينزل من فوق رأسه عذاب هو سائل شديد
الحرارة ، يصب على رأسه صبا عنيفا يذيب كل ما يقع عليه.
ومع هذا العذاب
المهين المؤلم الشديد يوجد عذاب معنوى بالتهكم عليه فيقول لسان الحال : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْكَرِيمُ) ، ليعلم أنه كان طاغيا.
٥٣ ـ هذه جمل
من الآيات الكريمة تسامينا فحاولنا أن نسمو إلى ألفاظ قرآنية مشرقة بمعان ، وكل
كلمة منها لها طيف خاص بها ، وتدل على معان عميقة تصور ناحية بيانية تبدو واضحة فى
انضمامها لغيرها ، وتتكون من مجموع الصور البيانية للكلمات صورة بيانية رائعة ،
وإذا كان لكل صورة حسية أطياف تعطى الصورة حيوية ، فالصور البيانية لها أطياف
عالية ، تعطى الصورة روعة عالية ، لا توجد فى أى كلام غير القرآن الكريم.
وإن الصور
البيانية القرآنية تبدو أوضح ما تكون فى القصص القرآنى وإن كان كل البيان القرآنى
رائعا واضحا ، فإن القرآن فى وصف الحوار والأجواء الفكرية والاعتقادية يصورها
تصويرا واضحا ، فإذا وصف حالا لرجل تجده يصور قلبه وخواطره.