قائمة الکتاب
القسم الأول نزول القرآن
القسم الثانى إعجاز القرآن
ألفاظ القرآن وحروفه
٧٣
إعدادات
المعجزة الكبرى القرآن
المعجزة الكبرى القرآن
تحمیل
إلى معانيه أيضا ، وأنه يريد من النظم الكلمات لا ذات الكلام كله برناته القوية ، أو الهادئة التى تنساب فى النفس ، وتتغلغل فيها حتى تصل إلى أعماقها.
٤٥ ـ هذا رأى الجرجانى ، وله مقامه ، يقصر البلاغة والفصاحة على الأسلوب ومجموع العبارات التى تتضافر فى الدلالة على معان متآخية ، وتتآخى الألفاظ فى الدلالة على هذه المعانى.
وهناك فريق آخر ، ومن هؤلاء الجاحظ ، يرون للحروف وللكلمات فصاحة ، عند ما تتلاءم حروفها ولا تتجافى مخارجها ولا يكون فيها تكرار فلا فصاحة فى مثل ما رواه الجاحظ :
وقبر حرب بمكان قفر |
|
وليس قرب قبر حرب قبر |
فإن تكرار الحروف جعلها غير متلائمة ، وغير سهلة فى النطق.
وقد عقد ابن الأثير فى كتابه (المثل السائر) فصلا قيما ذكر فيه فصاحة الكلمات وقبحها ، فى رنينها وفى تآخى حروفها ، وقال : إن من الكلمات ماله نغمة أوتار ، ومنها ماله صوت حمار ، وضرب على ذلك الأمثال ، فقال : إن كلمة السيف لها مرادف ، وهو الخنشليل ، فهل هما متماثلتان فى الفصاحة والنغمة الصوتية ، ومثل كلمة غصن ، وكلمة عسلوج بمعنى الغصن ، فهل هما متماثلتان فى النغمة وسهولة النطق.
ويبدو من كتاب إعجاز القرآن للباقلانى أنه يرى أن للكلمات ذاتها فصاحة خاصة ، وأن تخيرها يدل على قدرة قائلها ، وعلو بيانه ، فإذا كانت المعانى البلاغية لجملة القول ، ففي اختيار الألفاظ المتناسبة فى موسيقاها ، وفى نغمتها وفى رنتها قوية أو هادئة على حسب المقام ، فللفظ دخل فى الاختيار. ويقول الباقلانى فى ذلك :
«قد علم أن تخير الألفاظ للمعانى المتداولة المألوفة ، والأسباب الدائرة بين الناس أسهل وأقرب من تخير الألفاظ لمعان مبتكرة ، وأسباب مؤسسة مستحدثة ، فإذا برع اللفظ فى المعنى البارع كان ألطف وأعجب من أن يوجد اللفظ البارع فى المعنى المتداول المتكرر ، والأمر المتقرر المتصور ، ثم انضاف إلى ذلك التصرف البديع فى الوجوه التى تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه ، ويراد تحقيقه بأن التفاضل فى البراعة والفصاحة ، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعانى والمعانى وفقها لا يفضل أحدهما على الآخر ، فالبراعة أظهر».
ثم يقول :
«وأنت ترى جمال الكلمة من القرآن يتمثل فى تضاعيف كلام كثير ، وهى غرة جبينه ، وواسطة عقده ، والمنادى على نفسه بتميزه ، وتخصصه ، برونقه وجماله ، واعتراضه فى حسنه ومائه» (١).
__________________
(١) إعجاز القرآن للباقلانى ص ٦٤.