٥ ـ ومنها الإخبار عن الأمور التى تقدمت فى أول الدنيا إلى وقت نزوله على أمى ما كان يتلو من قبله من كتاب ، ولا يخطه بيمينه ، فأخبر بما كان من قصص الأنبياء مع أممها ، والقرون الخالية فى دهرها ، وذكر ما سأله أهل الكتاب عنه وتحدوه من قصة أهل الكهف وشأن موسى والخضر عليهماالسلام ، وحال ذى القرنين فجاءهم وهو الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب ، وليس له بذلك علم بما عرفوا من الكتب السالفة صحته ، قال القاضى ابن الطيب (١) : ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه إلا عن العلم. وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار ، ولا مترددا إلى المتعلم منهم ، وما كان ممن يقرأ فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه ـ علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحى.
٦ ـ ومنها الوفاء بالوعد المدرك بالحس فى العيان ، فى كل ما وعد الله سبحانه ، وينقسم : إلى أخباره المطلقة كوعد الله بنصر رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وإخراج الذين أخرجوا.
والقسم الثانى وعد مقيد بشرط. كقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣].
٧ ـ ومنها الإخبار عن المغيبات فى المستقبل التى لا يطلع عليها إلا بالوحى ، فمن ذلك ما وعد الله به نبيه عليهالسلام أنه سيظهر دينه على كل الأديان ، بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] ففعل ذلك.
٨ ـ ومنها ما تضمنه القرآن من العلم الذى هو قوام الأنام فى الحلال والحرام وسائر الأحكام.
٩ ـ ومنها الحكم البالغة التى لم تجر العادة بأن تصدر فى كثرتها وشرفها من آدمى.
١٠ ـ ومنها التناسب فى جميع ما تضمنته ظاهرا وباطنا من غير اختلاف ، قال الله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]. وبعد أن ذكر القرطبى هذه العشرة قال :
«قلت : فهذه عشرة أوجه ذكرها علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم ، ووجه حادى عشر قاله النظام وبعض القدرية أن وجه الإعجاز هو المنع من معارضته والصرف عند التحدى بمثله ، وأن المنع والصرفة هو المعجزة ، دون ذات القرآن ، ذلك أن الله تعالى صرف هممهم عن معارضته مع تحديهم بأن يأتوا بسورة من مثله ، وهذا فاسد ؛ لأن الإجماع قبل حدوث المخالف أن القرآن هو المعجز ، فلو قلنا أن المنع والصرفة هو
__________________
(١) المتوفى سنة ٤٣٥.