ولقد أشار إلى رد الجاحظ الذين كتبوا فى الإعجاز ومنهم الباقلانى ، وممن نسب إليه القول بالصرفة الشريف المرتضى من الشيعة ، وفسر الصرفة بأن الله تعالى سلبهم العلوم التى يحتاج إليها فى معارضة القرآن والإتيان بمثله. ومؤدى كلامه أنهم أوتوا المقدرة على المعارضة بما كانوا عليه من بيان وبلاغة وفصاحة ، فهم قادرون على النظم ، والعبارات ، ولكن ليست عندهم المقدرة بسبب أنهم لم يعطوا العلم الذى يستطيعون به محاكاة القرآن فى معناه.
وإن هذا القول ينافيه أن الله سبحانه وتعالى طالب بأن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات وأعفاهم من أن يكون كلامهم مشتملا على ما فى القرآن من علم ، واقتصر على التحدى بالنظم والعبارة واللفظ.
فهذا القول نوع من الصرفة ، ونفى للإعجاز الذاتى ، ويختلف مع ما اشتمل عليه القرآن.
وممن قالوا بالصرفة الفقيه البليغ العنيف المتشدد ابن حزم (١) الأندلسى. فقد قال فى كتاب الفصل فى سبب الإعجاز : «لم يقل أحد أن كلام غير الله تعالى معجز ، لكن لما قاله الله تعالى ، وجعله كلاما له ، أصاره معجزا ، ومنع من مماثلته» ثم قال : وهذا برهان كان لا يحتاج إلى غيره.
وإن ذلك الكلام يبدو بادى الرأى غريبا من ابن حزم ، ولكن المتأمل فيه يجده سائر على مذهبه فى نفى الرأى والحكم بظاهر القول من غير تعليل ، فالاتجاه إلى تعليل الإعجاز بأن السبب فيه بلاغته التى علت عن طاقة العرب ، والتى جعلتهم يخرون صاغرين بين يديه من غير مراء ولا جدال يعد تعليلا ، وهو من باب الرأى الذى ينفيه ، والتعليل الذى يجافيه ، فلا بد أن يبحث عن سبب غير ما ذكر الله تعالى.
٣٦ ـ وإننا نرى أنه بعد كلام النظام صارت فكرة الإعجاز بالصرفة مجال اختلاف بين العلماء ما بين مقرر لها ومستنكر. وقد آن لنا أن نبين بطلان هذه الفكرة من أساسها ، وإن دلائل البطلان قائمة ثابتة مأخوذة من الوقائع التاريخية والموازنات الحقيقية الثابتة.
(أ) منها ، ما ذكرنا من قبل أن العرب عند ما تلقوا القرآن راعهم بيانه ، وأثار إعجابهم أسلوبه وعباراته ، وقالوا : ما رأينا مثله شعرا ولا نثرا ، فكان العجز لذاته ، لا لشىء خارج عنه ، وما لنا نفترض ما لم يقولوا وما لم يفعلوا ، وما لم يقدروا ، إلا أن يكون ذلك تمويها ، وإنكارا للواقع المستقر ، بفرض وهمى.
__________________
(١) توفى سنة ٤٥٦ ه.