والاتجار فى الشام وفارس ، بما يأخذه المرابى من ربا ، أى أنهم يقولون أنه بعض مما يكسبه المقترض بالبيع والشراء ، وهو جزء منه ، فرد عليهم بأن البيع حلال ، لأن الكاسب بالبيع يتحمل كسبا وخسارة ، وحرم الربا لأنه الكسب من غير تعرض للخسارة ، وبذلك يكون الكسب من البيع طبيعيا ، والكسب بالربا غير طبيعى لأن النقد لا يلد النقد.
وثانيا ـ قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ، فإن التعبير عن الدين برأس المال إنما يكون فى المال المتخذ للاستغلال ، ولا يقال رأس المال للمال المتخذ لاستخدامه فى الضرورة ، فكان هذا دليلا من النص يفيد أن التحريم وارد فى القرض الاستغلالى ابتداء ، والاستهلاكى تبعا ؛ ذلك أن النص بعمومه يحرم كل زيادة ، لأن أى زيادة تنقض التوبة وتكون ظلما.
وثالثا ـ أن أحوال أهل مكة والطائف تجعل القرض للاستغلال هو الغالب بينهم وأن القرض للاستهلاك لم يكن شائعا بينهم ، فقد كان أهل مكة وما حولها تجارا ، ينقلون بضائع الروم إلى الفرس عن طريق الشام واليمن ، وينقلون بضائع الفرس إلى الروم عن هذه الطريق أيضا ، ولذلك كانت لهم رحلتان تجاريتان إحداهما رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام كما قال تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٤) [قريش : ١ ـ ٤].
وإذا كانت مكة والطائف بلدين تجاريتين ، فلا بد أن نتصور أن منهم من كان يتجر بنفسه بائعا مشتريا ، ومنهم من كان يتجر بطريق غيره ، فيعطى لمن يتجر بنفسه على أن يكون الربح بينهما بنسبة معلومة ، والخسارة تكون على صاحب رأس المال ، كما كان يفعل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى مال خديجة بأمانة الأمين صلى الله تعالى عليه وسلم.
ومنهم من كان يدفع المال إلى غيره على أن يكون له كسب محدود مما يئول إلى التاجر ، كسب التاجر أو خسر ، وقد روى ذلك من معاملات قريش ، فقد كان ذو المال يدفع المال إلى التاجر على قدر من المال هو الربا ، فإن سدد أخذ رأس المال مع الزيادة ، وإن لم يأخذ أبقى المال وضاعف الزيادة ، ولذلك أثر عن الربويين أنهم كانوا يقولون للمدين ادفع أو ضاعف ، والمراد مضاعفة الزيادة.
وقد قال أصحاب السيرة فى مقدمات غزوة بدر أن قريشا كلها خرجت بكل مالها للتجارة حتى حلى النساء ، فأرادها أهل الحق كما صادروا من أموال المؤمنين ، فاستنفر أبو سفيان قريشا ، وخرج الجند لحماية العير ، فكانت الغزوة ، ولا بد أن يكون فى هذا