ولذلك كانت الحياة الآخرة وبيانها من مقاصد الأديان السماوية ، فلا يوجد دين سماوى إلا كان الإيمان بالبعث والحساب ، والثواب والعقاب من أركان الإيمان فيه.
ولذلك جعل القرآن الكريم الإيمان بالغيب أول أجزاء الإيمان فقد قال الله تعالى فى أوصاف المؤمنين : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) [البقرة : ٣ ـ ٥].
وترى أن أول وصف للمؤمنين هو الإيمان بالغيب فلا تستولى عليهم مادة الحياة ، ولا يسيطر عليهم سلطانهم ، فإن فرق ما بين الإيمان والزندقة الإيمان بالغيب ، فمن حسب أنه لا وجود إلا للمادة المشاهدة المحسة ، فهو ليس بمؤمن وليس عنده استعداد للإيمان إلا من رحم ربك.
وقد ختم الله سبحانه وتعالى أوصاف المؤمنين بقوله تعالى : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) فأوجب الإيمان بالآخرة وأكده بتقديم الجار والمجرور ، أى أن الآخرة وحدها هى الجديرة بالإيمان ، وأنه لا إيمان إلا باليقين الذى لا مجال للريب فيه ، وأن رقى الإنسان فى أن تكون حياته غير مقصورة على الدنيا ، لأن التكليف شرف وهو يقتضى تحمل التبعات ولا سبيل لتحمل التبعات إلا أن يكون ثمة يوم يجرى فيه الحساب والثواب والعقاب.
ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى الذين لا يؤمنون بلقاء الله تعالى بأنهم الخاسرون : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢) [الأنعام : ٣١ ، ٣٢].
نعم خسر الذين لا يؤمنون بالآخرة ، خسروا إنسانيتهم فقد حسبوها عبثا ليس لها غاية ، وخسروا العزاء إذا شقوا فيها ، فإن الإيمان بالآخرة عزاء روحى لمن يؤمن بها فيتحمل شقاء الدنيا لينال نعيم الآخرة ، وإنهم لم يترقبوا اللقاء فلم يستعدوا بالعمل الصالح.
وقد قرر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان يكون مخلوقا سدى كالهمل إن لم يكن هناك يوم آخر ، حيث قال : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠) [القيامة : ٣٦ ـ ٤٠].