والشتاء إلى الشام واليمن تجاريتين ، لا تتصلان بالعلم فى أى باب من أبوابه ، ولا منزع من منازعه.
وجاء القرآن الكريم فى ذلك الوسط الأمى يذكر لهم أخبار الأنبياء السابقين ، وأحوال أممهم معهم ، وما حل بالذين كفروا وضلوا ، وهم يرون هذه الآثار فى الأمم التى تصاقبهم.
جاء القرآن الكريم بتفصيله الصادق المحكم عن أخبار هؤلاء النبيين ، وقد وافق كثير منهم الصادق عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وما اختلفوا فيه عما جاء فى القرآن فإن الفحص الدقيق يثبت تحريفه ، وصدق القرآن الكريم ، فيما حكاه الله ، فإنه علام الغيوب الذى أحاط بكل شىء علما.
ولقد ذكر القرآن ذلك الوجه من الإعجاز فقد قال تعالى بعد ذكر قصة مريم وكفالة نبى الله تعالى زكريا لها : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤) [آل عمران : ٤٤]. فإن هذا النص يشير إلى الدلالة على أن القرآن من عند الله ، وعلى أن ذلك النوع من العلم ما كان عند العرب ، وليس لهم به دراية.
وإنه لم تذكر قصة مريم البتول فى التوراة ، ولا الإنجيل ولا رسائل الرسل قط ، والقرآن الكريم وحده هو الذى بين اصطفاءها ، وفضلها على نساء العالمين.
ويقول الله تعالى بعد قصة نوح عليهالسلام : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (٤٩) [هود : ٤٩].
وفى هذه الآية والتى قبلها إشارة واضحة إلى أن هذا النوع من العلم ما كان معروفا عندهم وما كانوا يتذاكرون به.
وقد قال تعالى فى ذلك أيضا : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (١٠٢) [يوسف : ١٠٢] فذكر القرآن أدق الأخبار ، وما لا يعلمه أحد إلا الله تعالى.
وكان ذلك القصص الحكيم إخبارا بالغيب ، الذى لا يعلمه إلا علام الغيوب دليلا على أنه من عند الله العزيز الحكيم ، وموافقته للصحيح من أخبار النبيين دليل على أن القرآن من عند الله وأنه ليس حديثا مفترى ، وليس أساطير الأولين اكتتبها ولا يمكن أن تملى عليه ، ولا يوجد من يمليها عليه ، وإذا كانوا قد ادعوا أنه تلقاها من بعض الناس فى مكة ، فهو لم يثبت اتصاله به ، ولسانه أعجمى ، وهذا كتاب عربى مبين ، وفوق ذلك ففي القرآن من صادق الأخبار ما لم يكن فى كتب أهل الكتاب المسطورة ، ولا يأتيه الباطل فيما يقول.