وثانيها : لأنه من كتبة الوحى الملازمين ، لا الذين كتبوا مرة أو مرتين وأخذوا لقب كاتب الوحى شرفا.
وثالثها : أنه ممن حفظوا القرآن وجمعوه فى صدورهم ، فكان حقيقا أن يجمعه مسطورا بعد أن جمعه محفوظا.
ورابعها : أنه عرض القرآن على النبى صلىاللهعليهوسلم فى السنة التى انتقل فيها النبى صلىاللهعليهوسلم إلى الرفيق الأعلى كما قدمنا.
١١ ـ حمل زيد ما هو أشد حملا من الجبال ؛ لأنه يحمل أثقل موازين الهداية فى هذا الوجود الإنسانى ، وهو وديعة الله تعالى إلى الوجود الإنسانى إلى أن تزول السموات والأرض.
وما كان لمن يحمل مثل هذا الحمل أن ينفرد بالعبء فقد استعان بالحفظة الكرام من صحابة النبى صلىاللهعليهوسلم الأعلام ، وسلك فى سبيل الجمع الخطة المثلى ، فما كان ليعتمد على حفظه ، وإنه لحافظ ، ولا على حفظ من استعان بهم ، وإنهم لحفاظ أمناء ، ولكنه كان لا بد أن يعتمد على أمر مادى ، يرى بالحس لا يحفظ بالقلب وحده ، فكان لا بد أن يرى ما حفظه مكتوبا فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم ، وأن يشهد شاهدان بأنهما هكذا رأوا ذلك المكتوب فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم وبإملائه صلىاللهعليهوسلم ، وقد تتبع القرآن بذلك آية آية ، لا يكتب إلا ما رآه مكتوبا عن النبى صلىاللهعليهوسلم فى عهده ، ويشهد شاهدان أنهما هكذا رأيا ذلك المكتوب فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم ونقلاه ، أو يرى ذلك المكتوب عند اثنين ، فهو شهادة كاملة منهما ، وقد حصل على القرآن كله مكتوبا بنصاب الشهادة فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم فما كان إلا أن نقل المكتوب فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم ، ولكنه وجد آيتين لم يشهد اثنان بأنهما كتبتا فى عصر النبى صلىاللهعليهوسلم بل شهد واحد فقط ، وهو خزيمة بن ثابت الأنصارى وهو قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة : ١٢٨ ، ١٢٩] ، لم يجدهما إلا عند خزيمة ، وقد قال له النبى صلىاللهعليهوسلم تكريما له : «شهادتك باثنين».
وروى أنه لم يجد آية أخرى إلا عند خزيمة ، وهى قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). [الأحزاب : ٢٣]
هذا هو المسلك الذى سلكه المؤمن الحافظ الذى اختاره أبو بكر لحمل التبعة مع من اختاره. ولنترك الكلمة له ، أى لزيد فهو يشير إلى ما سلكه فهو يقول فيما رواه البخارى : «قمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال ،