الكاف فى موضع الضمير ، ونحن نميل إلى أنها ليست زائدة ، لتأكيد الكلام ، وليست حرفا ، ولكنها اسم بمعنى أنفسكم ويكون تأويل القول على هذا أرأيت أنفسكم ، وجمع ليشمل كل الناس ، وكل المخاطبين ، وعلى هذا التأويل يكون المعنى أرأيت أيها النبى الناس ، وقد صاروا عرضة لعذاب يعم الجميع أم يخص الظالمين الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الناس وظلموا العقل فضلوا وأضلوا كثيرا ، وأفسدوا فى الأرض والله لا يحب الفساد.
الأمر الثانى : أن قوله تعالى : (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) فيه استفهام إنكارى بمعنى إنكار الوقوع ، والمعنى لا يهلك إلا القوم الظالمون ، واقتران الكلام بالوصف يدل على سبب استحقاق الهلاك ، وهو الظلم ، فبظلم منهم هلكوا ، وكان ذلك تأكيدا للنفى بذكر السبب فى أنهم اختصوا بالهلاك.
ومن هذا النوع فى الاستفهام الذى اقترن بتاء الخطاب والكاف ، وكان كلاهما بالمفرد قوله تعالى : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) (٦٣) [الإسراء : ٦٢ ، ٦٣].
والله سبحانه وتعالى يحكى عن إبليس اللعين وهو يخاطب رب العالمين والاستفهام لتقرير الواقع ، لا لنفيه ، والكاف على قول الزمخشرى هى تأكيد لمعنى التأكيد ، ونحن نرجح ذلك ؛ لأن التاء مفرد والكاف مفرد ، وهو تأكيد لفظى يتوافق فيه المؤكّد مع المؤكّد فى الإفراد والجمع ، أما الاستفهام السابق فمعنى التأكيد فيه بعيد ، للتخالف فى الإفراد والجمع ، وهذا النوع من البيان لتصريف القول ، وقد ذكر طبيعة إبليس الفاسدة بأنه سيجعل ذلك الذى كرمه تعالى عليه الهلاك ، لذريته إلا قليلا ، وهذا من غرور إبليس ، ومن يسكن الشيطان قلوبهم ، وهذا كقوله : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) [الحجر : ٣٩ ، ٤٠].
ونلاحظ أن دخول الاستفهام على رأى ، مع وجود ضميرى خطاب فى جملة واحدة أو على قول الزمخشرى ضمير خطاب وحرف خطاب ـ هو استعمال قرآنى ، لا أعرف أن العرب قد استعملوه كثيرا قبل القرآن ، وفيه من معانى الاستنكار أو التنبه أو التعجب فى أبلغ صور ، وأن هذا من سر الإعجاز ، ودليل على أن القرآن لم يكن علمه البيانى عند العرب من قبله.
٩٨ ـ والاستفهام أحيانا يكون للتسوية بين أمرين ، ويكون هذا لبيان وحدة النتيجة والغاية مثل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦) [البقرة : ٦] ، وإن أداة الاستفهام فى هذه ليست للاستفهام الحقيقى ،