المشهد الأول : إيواء فتية آمنوا بربهم ، وزادهم الله تعالى هدى وقد فروا من الوثنية إلى الوحدانية ، ومن الوثنيين إلى جوار ربهم ، وقد ربط الله على قلوبهم. فاستمسكوا بإيمانهم ، واعتصموا بربهم ، وكان الإيمان قد سكن وعاء القلب ، فربط الله تعالى بالصبر حتى لا يخرج من وعائه الذى استقر فيه ، واطمأن ، فلا يتشعع أمام أى حادث ، وإن الإيمان إذ سكن واطمأنوا ، كانت رحمة الله تعالى أن ضرب على آذانهم بمعنى أنه خيم عليها ، فأصبحت لا تسمع لغو الحديث ، وأنهم إذ آووا إلى الكهف قطعهم الله تعالى عن لغو الوثنية وظلم أهلها ، فاجتمع لهم الانزواء عن الناس ، والبعد عنهم بالحس ، فلا يرون الناس ، ولا يسمعون عنهم ، وساروا فى غيبوبة كأنهم الموتى ، وليسوا أموتا ، وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ، وكل ذلك فى تصوير قصصى كأن التالى للقرآن يراهم ، وهم يهرعون إلى الكهف يأوون راجين الرحمة والرشاد ، مبتعدين عن الآثام ، وما فى الدنيا ، وقد زادهم الله تعالى ، فجعلهم رقودا ، وهنا نجد الصورة واضحة أن ناسا يظن أنهم أيقاظ ، وهم رقود ، وقد بقوا على ذلك سنين عددا تجاوزت ثلاثمائة.
والمشهد الثانى : بعثهم ، وقد اختلف الناس فى أمر المدة التى استمروها فى الكهف ، وقد مرت الأجيال ، وهم يحسبون أنهم أيقاظ ، فقد استمروا كما ذكر فى القرآن الكريم ثلاثمائة سنة وزادوا تسعا.
ويجيء بعد البعث الكلام فى المدة التى مكثوها ، والسبب فى اختيار مأواهم فقص الله خبرهم بالحق تفصيلا بعد أن ذكره إجمالا ، لقد قاموا من سباتهم ، وهم يرددون إيمانهم بالله تعالى ، واعتراضهم على أقوامهم ، ويحكون ما كان منهم مع أقوامهم (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) وأن قومهم اعتزلوهم ، وهم لا يعبدون إلا الله تعالى ، ونرى الصورة القصصية واضحة بينة ، هادية مرشدة تصور الملاحاة بينهم وبين أقوامهم ، حتى اعتزلوهم معتصمين بربهم ، مؤمنين به. وهذا المشهد كل أجزائه واضحة ، حتى إنه يصور الكهف ومن فيه ، وخرجوا منه فى مشهد واضح بين ، هو كالعيان بتصوير القرآن الكريم.
والمشهد الثالث : منظرهم وهم رقود ، وحال الكهف ، وصورته ، فهم فى فجوة منه يتجهون فيه إلى الشمال والشمس تخرج لهم من المشرق يمينا ، وتودع الكون فى غربهم ، فالشمس والهواء ، يحيطان بهم ، وذلك أصلح مكان ، إذ يستقبل الشمس فى غدوها طالعة ، وفى غروبها رائحة والهواء من البحر يجيء إليهم ، فينعشهم نسيمه العليل فأسباب الحياة الطيبة قائمة ومهيأة لهم ، وهم رقود ، وإن كان الرائى يحسبهم أيقاظا ، والوصف القصصى يصور المكان كأن القارئ للقرآن يراه ، وهو يتلو كتاب الله تعالى.