٤ ـ ولكن معجزة
محمد صلىاللهعليهوسلم كانت من نوع آخر ، لم تكن حادثة تقع ، وتزول من غير
بقاء لها إلا بالخبر ، بل كانت قائمة تخاطب الأجيال ، يراها ويقرؤها الناس فى كل
عصر ، ونقول : إنها مناسبة لرسالة النبى محمد صلىاللهعليهوسلم ، لعمومها فى الأجيال ، ولمكانته بين الرسل ، ومقامه فى
هذا الوجود الإنسانى إلى يوم القيامة.
إن معجزات
الأنبياء السابقين لا يعلم وقوعها على وجه اليقين إلا من القرآن ، فهو الذى سجل
معجزات نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، ولو لا أنه سجلها ما
علمها الناس ، وإذا كانت بعض الكتب القائمة اليوم ذكرت بعضها فقد ذكرته مشوبا
بأمور غير صادقة كإخبارهم بأن لوطا كان مخمورا فوقع على ابنتيه ، وما يكتب فيه مثل
هذا عن بعض النبيين لا يمكن أن يكون مقبول الخبر عن سائرهم ومعجزاتهم.
ونقول : إن
معجزة محمد صلىاللهعليهوسلم كانت القرآن ، لقد أجرى الله تعالى على يديه خوارق
عادات أخرى مثل إخباره عن بعض ما يغيب عن حسه ، ومثل حنين الجذع إليه ، ومثل بكاء
الناقة عنده ، ومثل الإسراء والمعراج ، ولكن لم يتحدّ إلا بالقرآن الكريم ، ولم ير
المشركون صرحا شامخا يتحداهم به سوى القرآن الكريم.
ولما ذا كانت
معجزة محمد صلىاللهعليهوسلم القرآن ، وما كان يرجو الاتباع إلا به ، ولقد روى أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من نبى إلا أوتى ما مثله آمن به البشر ،
وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحى به إلى ، وإنى لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم
القيامة» ومن هذا يتبين جواب ذلك السؤال ، وهذا لأن رسالة النبى صلىاللهعليهوسلم خالدة ، لأنه صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين ، ولا نبى بعده ، فيجب أن تكون معجزته
مناسبة لهذه الرسالة الخالدة الباقية التى لا يحدها زمان فى المستقبل ، بل تبقى
إلى يوم القيامة ولا تكون معجزته واقعة تنقضى ، وتنتهى بانتهاء الزمن الذى وجدت
فيه ، بل تبقى الحجة ما بقيت الشريعة ، وذلك محقق فى القرآن ، فهو حجة قائمة على
العرب والعجم إلى يوم الدين ، وهو معجز لكل الخلائق ، وذلك ما نتصدى لبعضه ، والله
هو المعين.
المعجزة الخالدة
٥ ـ تلك
المعجزة الخالدة هى القرآن الذى يتحدى الأجيال كلها أن يأتوا بمثله ، ولو اجتمعت
الجن والإنس على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، كما
ذكر الله سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه ، هو حجة الله على خلقه ، وحجة النبى صلىاللهعليهوسلم فى رسالته ، وسجل الشريعة المحكم فى بيانه ، وهو المرجع
عند الاختلاف ، والحكم العدل عند الافتراق ، وهو الطريق المستقيم المرشد عن
الاعوجاج ، من سلكه وصل ، ومن لجأ إليه اهتدى.