هو وأسلوبه بألفاظه ومعانيه إلى القلوب ليأخذها من طبعها الأرضى ليعلو بها
إلى الأفق السماوى.
ويذكر أبو عيسى
الرمانى فائدة التلاؤم فيقول : «والفائدة فى التلاؤم حسن الكلام فى السمع ،
وسهولته فى اللفظ ، وتقبل النفس لمعناه ، لما يرد عليها من حسن الصورة ، وطريق
الدلالة ، ومثل ذلك مثل قراءة الكتاب فى أحسن ما يكون الخط والحرف ، وقراءته فى
أقبح ما يكون من الحرف والخط ، فذلك متفاوت فى الصورة ، وإن كانت المعانى واحدة».
وإن الكلام
يذاق كما يذاق الطعام ، فكلما كان التنسيق والتلاؤم حسن فى الذوق.
وإن لغتنا
العربية لغة نطق ابتداء ، وصارت من بعد لغة كتابة ، ولم تنفصل عنها خاصتها ، فهى
نطق وكتابة ، ولذلك كان لمخارج الحروف أثر فى فصاحة الكلام ، ولا شك أن مخارج
الحروف مختلفة منها ما يكون فى أقصى الحلق ، ومنها ما هو من أدنى الفم ، ومنها ما
هو فى الوسط بينهما ، فالتلاؤم فيها بأن تكون الكلمة حروفها متقاربة المخارج ،
والكلمات متقاربة المخارج ليسهل النطق على اللسان ، وتتقبله الأسماع.
فإذا أضيف إلى
ذلك التآخى فى المعانى كان التلاؤم الكامل ، والأسلوب الرائع ، وذلك ما جاء فى
القرآن.
٣ ـ تصريف البيان
٧١ ـ تختلف
مناهج البلغاء كتابا وشعراء ، كل يجيد منهاجا معينا ويمتاز فيه ، ويكون من الأوساط
فى غيره أثر دون الأوساط ، فمنهم من يجيد الوصف ، ويحكى الأشياء لقارئه كأنه يراها
، ومنهم من يجيد القول الوعر العنيف ، ولا يكون منه السهل الميسر ، ومنهم من يجيد
شعر الغزل ، ولا يجيد غيره ، ومنهم من يجيد القول الساخر ، ولا يجيد القول الجاد ،
كما نرى فى بعض كتاب العصر ، ومنهم من يجيد الكتابة فى السياسة ، فإذا كتب فى
غيرها هان وابتذل ، ومنهم من يجيد الكتابة فى التحليل وإثارة التأمل ، وهكذا ، وقل
من يجيد الدخول إلى الكلام البليغ فى أكثر من باب أو بابين ويكونان متآخيين ، غير
متناقضين.
أما القرآن
المعجز الذى هو فوق قدرة البشر ، فإن البلاغة فين فى كل أبواب القول ، وهى فى كل
باب تعلو علوا كبيرا عن المجيدين فى هذا الباب وحده ، ولذلك كان تصريف القول فيه
من تهديد وإنذار وتبشير ، وإثارة للتأمل ، ودعوة للتفكير فى آيات