(فَلِذلِكَ فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما
أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا
وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥))
(فَلِذلِكَ) أي فلأجل ذلك الشك أو الافتراق (فَادْعُ) يا محمد المتفرقين في الدين إلى ما وصى به الأنبياء من الاتفاق في الدين (وَاسْتَقِمْ) على دينهم وعلى الدعوة إليه (كَما أُمِرْتَ) من الله (وَلا تَتَّبِعْ
أَهْواءَهُمْ) أي لا تعمل بأهواء الضالين ، قوله (وَقُلْ آمَنْتُ) نزل حين دعاه كفار إلى ملة آبائه ، فقال تعالى قل آمنت (بِما أَنْزَلَ اللهُ
مِنْ كِتابٍ) منزل علي وعلى من تقدم قبلي من الأنبياء (وَأُمِرْتُ
لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) في الحكم إذا تخاصمتم وتحاكمتم إلى (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي خالقنا واحد لا أحيف لكم بأكثر مما افترض عليكم ، وهو قول «لا إله إلا الله» ، فلم يقبلوا
منه فقال (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ
أَعْمالُكُمْ) أي لنا ديننا ولكم دينكم ، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ،
وفيه دليل على أن الرجل إذا رأى منكرا أو سمعه فأنكر ولم يقبل منه لا يجب عليه
أكثر من ذلك ، وهو يحفظ مذهبه ويترك مذهب من خالفه (لا حُجَّةَ) أي لا خصومة (بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمُ) في الدين ، لأن الحق قد ظهر وانقطع الكلام بيننا ، وليس
ترك الخصومة للضعف لتحقق القتال وتخريب البيوت والإجلاء بعد ذلك ، بل المراد ترك
الجدال في مواقف المقاولة لا المقاتلة (اللهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنا) يوم القيامة فينتقم منكم (وَإِلَيْهِ
الْمَصِيرُ) [١٥] أي الرجوع في الآخرة.
(وَالَّذِينَ
يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦))
(وَالَّذِينَ
يُحَاجُّونَ) أي يخاصمون (فِي اللهِ) أي في توحيده مع أوليائه (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ) أي أطيع (لَهُ) أي لله بدعوة محمد عليهالسلام إلى الإسلام (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) أي خصومتهم باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) لا ينفعهم (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) من الله لأجل مكابرتهم عقولهم يوم القيامة (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [١٦] فيه بقبح أعمالهم في الدنيا.
(اللهُ الَّذِي
أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ
قَرِيبٌ (١٧))
(اللهُ الَّذِي
أَنْزَلَ الْكِتابَ) أي القرآن (بِالْحَقِّ) أي لبيان الحق (وَ) أنزل (الْمِيزانَ) للعدل والتناصف في كتبه المنزلة وهو الأمر بالوفاء والنهي
عن المنكر فاعدلوا به قبل أن يفاجئكم يوم الحساب ويوزن فيه أعمالكم ، قوله (وَما يُدْرِيكَ) نزل حين سئل النبي عليهالسلام عن الساعة متى تكون ، فقال تعالى وما يعلمك يا محمد (لَعَلَّ السَّاعَةَ) أي البعث (قَرِيبٌ) [١٧] ولم يؤنث نظرا إلى المعنى.
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها
وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ
لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨))
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا) أي بالساعة استهزاء بكم (الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِها) أي بقيامها (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بها (مُشْفِقُونَ) أي خائفون (مِنْها) أي من قيامها وشدائدها (وَيَعْلَمُونَ
أَنَّهَا الْحَقُّ) أي أن قيامها لواقع بلا شك (أَلا إِنَّ الَّذِينَ
يُمارُونَ) أي يجادلون عنادا (فِي) مجيء (السَّاعَةِ لَفِي
ضَلالٍ بَعِيدٍ) [١٨] عن الحق ، لأن القرآن المعجز قد صرح بقيامها ولأن
العقول تشهد على أنه لا بد من دار جزاء.
__________________