(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) حين لا ينفع الاعتراف ، فقال تعالى (فَسُحْقاً) بضم الحاء وإسكانها (١) ، أي بعدا ويأسا (لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) [١١] من الرحمة ، مصدر ، فعله محذوف ، أي أسحقهم الله إسحاقا.
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢))
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي غائبا عنهم ويعملون بما يأمرهم ولا يعصونه (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [١٢] أي ثواب عظيم في الجنة.
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣))
قوله (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) في أمر محمد عليهالسلام ، ظاهره الأمر بأحد الأمرين ومعناه الاستواء ، أي ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما في شأنه عليهالسلام (إِنَّهُ) أي إن الله (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [١٣] أي بما في القلوب (٢) من الخير والشر ، يعني أنه يعلم ضمائركم قبل أن تعبروها بألسنتكم ، فكيف لا يعلم ما تتكلمون في حقه ، نزل حين قال بعض الكفار لبعض لا تجهروا أصواتكم فان رب محمد يسمع فيخبره بما تقولون في شأنه (٣).
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤))
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) أي ألا يعلم السر من خلق السر في القلب ، لأن الخلق لا يكون إلا مع العلم ، والهمزة فيه للإنكار لتأكيد ما قبله ، و (مَنْ) فاعل (يَعْلَمُ) ، ويجوز أن يكون (مَنْ خَلَقَ) منصوبا بمعنى ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله وهي قوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ) أي لطف علمه بكل شيء (الْخَبِيرُ) [١٤] أي العليم بأحوال خلقه وأقواله.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي سهلة لينة لكي تمشوا وتزرعوا وتنتفعوا فيها (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) أي في جوانبها وطرقها أو في جبالها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) أي من رزق الله واشكروا له (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [١٥] أي وإلى الله البعث من قبوركم للحساب والجزاء.
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦))
قله (أَأَمِنْتُمْ) استفهام للتوبيخ ، أي أأمنتم عقوبة (مَنْ) هو حاكم (فِي السَّماءِ) ينفذ حكمه فيها بأن ينزل منها العذاب عليكم أو هم يعتقدون أن الرحمة والعذاب ينزلان من السماء أو (مَنْ) عبارة من الملائكة ، يعني هي مسكن الملائكة المتوكلين بالعذاب ، قوله (أَنْ يَخْسِفَ) بدل من (مَنْ فِي السَّماءِ) ، أي أأمنتم أن يخسف ، أي يغور (بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) [١٦] أي تتحرك بالموج فتصيروا تحتها وتعلو عليكم.
(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧))
(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) أي عقاب من هو حاكم فيها ، فأبدل من «مَنْ» (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي ريحا ترميكم بالحصباء وهي الحجارة كما أرسل إلى قوم لوط (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [١٧] أي إنذاري لكم إذا رأيتم المنذر به حين لا ينفعكم علمكم.
__________________
(١) «فسحقا» : ضم الحاء الكسائي وأبو جعفر ، وأسكنها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٣٢٤.
(٢) القلوب ، وي : قلوب ، ح.
(٣) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣٦٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٢١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٨٧.