والحال يقتضي أن يكون العامل في مقارنا في الوجود وقد أولوه بأن المعنى لا تختصموا وقد صح عندكم أني قدمت إليكم بالوعيد (١) فحينئذ يجتمع صحة ذلك عندهم في الآخرة مع الخصومة كما هو مقتضى الحال ، أي والحال أنكم عرفتم تقديمي (إِلَيْكُمْ) في الدنيا (بِالْوَعِيدِ) [٢٨] والباء زائدة فيه أو «قدم» بمعنى تقدم ، فيكون متعدية (٢) ، يعني أخبرتكم وخوفتكم بالكتاب والرسل فيها ، أي بما أعددت لكم من العذاب هنا إن لم يؤمنوا (٣) ولا بد منه ، لأنه مقضي.
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩))
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ) أي ما يغير حكمي (لَدَيَّ) بالثواب أو بالعقاب (٤)(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [٢٩] أي لا أعذب أحدا بغير ذنب ما ، لأنه إفراط في الظلم عن العدل بالحق فنفى ذلك عنه ، وقيل : أطلق الظلام في العرف باعتبار جماعة المظلومين وأطلق الظالم باعتبار الواحد (٥).
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠))
(يَوْمَ نَقُولُ) أي اذكر يوم نقول (لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) بمن ألقي فيك ، والاستفهام لوفاء الوعد بقوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٦) وتوبيخ لداخليها (٧)(وَتَقُولُ) أي جهنم (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [٣٠] أي من يزاد فيكون اسم مفعول كالمبيع أو مصدر ، أي هل من زيادة من الإنس والجن ، وإنما طلبت الزيادة تغيظا لداخليها (٨) ، روي : «أنه لا يلقى فيها فوج إلا ذهب ولا يمملأها شيء فتقول جهنم أقسمت يا رب لتملأني فيضع فيها قدمه ـ بفتح القاف ، أي قدم صدقه ـ ورحمته فتقول جهنم يا رب قط قط ـ بالسكون ، أي حسبي حسبي ، وفي رواية بكسر القاف ـ وهو أقوام سالفة فتمتلأ بهم» (٩) ، وقيل : معنى قوله (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قد امتلأت فلم يبق في موضع يمتلئ (١٠) ، فيكون ردا للمزيد.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢))
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) أي قربت (لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [٣١] نصب على الظرف ، أي مكانا لا يبعد عنهم فينتطرون إليها قبل دخولها فاذا شاهدوا الجنة وما فيها يقال لهم (هذا) أي المشاهد (ما تُوعَدُونَ) من الجزاء في الدنيا ، قوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ) قيل : بدل من (لِلْمُتَّقِينَ)(١١) ، والجملة بينهما اعتراضية ، وقيل : خبر مبتدأ محذوف (١٢) ، أي ذلك لكل رجاع عن الكفر والعصيان إلى التوحيد والطاعة (حَفِيظٍ) [٣٢] أي حافظ لأمر الله وحدوده جدا.
(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥))
قوله (مَنْ خَشِيَ) بدل بعد بدل أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هو من خشي (الرَّحْمنَ) خشية ملتبسة (بِالْغَيْبِ) منه تعالى أو بسبب الغيب الذي أوعده من عذابه ، وإنما قرن اسمه الدال على سعة الرحمة بالخشية للثناء البليغ على الخاشي وهو خشية مع علمه أنه الواسع الرحمة كما أثني عليه بأنه خاش مع أن المخشي عليه غائب ، يعني من يخافه ويعمل بأمره ونهيه وهو في غيب منه (وَجاءَ) إليه (بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) [٣٣] أي (١٣) مقبل على طاعته مخلصا ، وإنما وصف القلب بالإنابة ، لأن الاعتبار منها لما ثبت في القلب فيقال لهم (ادْخُلُوها) أي الجنة (بِسَلامٍ) حال ،
__________________
(١) إليكم بالوعيد ، ح : ـ وي.
(٢) متعدية ، ح : معدية ، وي.
(٣) إن لم يؤمنوا ، ح و : إن لم تؤمنوا ، ي.
(٤) أو بالعقاب ، ح و : والعقاب ، ي.
(٥) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(٦) الأعراف (٧) ، ١٨ ؛ هود (١١) ، ١١٩ ؛ السجدة (٣٢) ، ١٣ ؛ ص (٣٨) ، ٨٥.
(٧) لداخليها ، وي : لداخلها ، ح.
(٨) لداخليها ، وي : لداخلها ، ح.
(٩) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٦.
(١٠) هذا المعنى مأخوذ عن البغوي ، ٥ / ٢١٦.
(١١) هذا القول منقول عن الكشاف ، ٦ / ٢٩.
(١٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.
(١٣) أي ، وي : ـ ح.