(عَلَيْنا كِسَفاً) بسكون السين على التوحيد ، أي توقعها مرة واحدة وجمعه كسوف واكساف ، وبفتح السين (١) جمع كسفة ، أي أو توفع السماء علينا قطعا ، يعني قطعة بعد قطعة ، ونصبه حال من «السماء» (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) [٩٢] أي كفيلا يكفلون بما تقول وضامنا به شاهدا (٢) لصحته (٣) أو تأتي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة ، وهو جمع قبيلة ، نصبه حال من الملائكة (٤) أو بمعنى مقابلة وعيانا يشهدون لك بأنك نبي الله ، نصبه حال من «الله» و (الْمَلائِكَةِ).
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣))
(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أي من ذهب وأصله الزينة (أَوْ تَرْقى) أي تصعد (فِي السَّماءِ) أي في معارجها (وَلَنْ نُؤْمِنَ) أي لن نصدق (لِرُقِيِّكَ) أي لصعودك فيها فرضا (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا) من السماء (كِتاباً) فيه تصديقا (نَقْرَؤُهُ) فنتبعك فقال تعالى لنبيه عليهالسلام (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) تعجبا من قولهم ، وقرئ «قال» (٥) إخبارا عن النبي عليهالسلام (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [٩٣] أي لست إلا بشرا أرسل إليكم ، فكيف تطلبون مني شيئا لا يقدر البشر على الإتيان به ، ولو كان رسولا لا يأتي به (٦) إلا باذن الله ، قيل : لو أراد الله أن ينزل ما طلبوا منه لفعل ولكن لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر من البشر (٧) ، لأنه ليس في طوق البشر وإنما رد الله سؤالهم ، لأنه تعالى أعطى النبي عليهالسلام من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله في الإيمان به مثل القرآن واتشقاق القمر وغيرها مما اشتهر بين القوم ، ولكن كفار مكة كانوا متعنتين لم يكن قصدهم طلب الدليل ليؤمنوا فردهم الله تعالى لشك مريب في صدورهم لا يزول بكل آية نزلت يدل على ذلك قوله تعالى.
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥))
(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) بالقرآن ونبوة محمد عليهالسلام (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أي القرآن ومحمد (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي إلا قولهم ، محله رفع فاعل (مَنَعَ) و (أَنْ يُؤْمِنُوا) مفعوله مقدم عليه ومقولهم بالاستفهام للإنكار (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [٩٤] ولم يبعث ملكا فلا نؤمن به ولا حجة لهم سوى هذا القول ، فرد الله عليهم بقوله (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ) مكان البشر (يَمْشُونَ) على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم كالطير (مُطْمَئِنِّينَ) أي مقيمين فيها (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [٩٥] من جنسهم لينذرهم ويعلمهم الخير ، لأن القلب إلى الجنس أميل منه إلى غير الجنس ، وإنزال الملائكة على الأنبياء لاتصافهم بالصفة الملكية في الصورة بالبشرية كأنهم من جنس الملائكة ، وذلك أيضا لإرسالهم إلى بني آدم للإنذار والتبشير ، ولما سمعوا ذلك قالوا من يشهد لك يا محمد بأنك رسول من الله تعالى.
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦))
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً) نصبه حال ، أي كفى الله شاهدا (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) على أني رسول الله باظهار المعجزة مني وبلغت ما أرسلت به إليكم وأنتم كذبتم به وعاندتم (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [٩٦] فيجازيهم بعملهم (٨).
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى
__________________
(١) «كسفا» : قرأ المدنيان والشامي وعاصم بفتح السين ، والباقون باسكانها. البدور الزاهرة ، ١٨٨.
(٢) شاهدا ، ب س : ـ م.
(٣) لصحته ، س : بصحته ، ب ، ـ م.
(٤) نصبه حال من الملائكة ، ب س : ـ م.
(٥) «قل» : قرأ ابن عامر بفتح القاف وألف بعدها وفتح اللام بصيغة الماضي ، والباقون بضم القاف وإسكان اللام بصيغة الأمر. البدور الزاهرة ، ١٨٨.
(٦) لا يأتي به ، م : ـ ب س.
(٧) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥٣٠.
(٨) بعملهم ، ب م : بعلمهم ، س.