(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠))
ثم قال تعالى بعد خروجه من مكة مهاجرا إلى المدينة (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) في المدينة (مُدْخَلَ صِدْقٍ) أي إدخال صدق ، يعني بالسلامة ونيل المراد (وَأَخْرِجْنِي) من المدينة (مُخْرَجَ صِدْقٍ) أي إخراج صدق إلى مكة ، يعني بالفتح والظهور عليها أو أدخلني في القبر مرضيا طاهرا من الذنوب وأخرجني من القبر مرضيا إلى البعث ملقى بالكرامة آمنا من السخط (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) أي من حضرتك (سُلْطاناً نَصِيراً) [٨٠] أي برهانا بينا قاهرا أعداء الدين بنصر دينك على جميع الأديان ، فوعده الله لننزعن ملك فارس والروم وغيرهما ، فنجعله لك ، ويشهد عليه قوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(١) و (يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ)(٢).
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١))
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ) أي القرآن (وَزَهَقَ الْباطِلُ) أي ذهب الشيطان أو جاء الإسلام وزال الشرك أو جاء عبادة الحق وذهب عبادة الصنم ، والزهوق خروج النفس من البدن ، وأكد ذلك بما هو كالمثل السائر ، وهو قوله (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [٨١] أي مضمحلا غير ثابت في كل وقت.
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢))
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) للقلوب من الجهل والضلالة ، و (مِنَ) للتبعيض أو للتبيين ، أي كل شيء نزل من القرآن فهو شفاء (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) لازدياد إيمانهم به ولصلاح دينهم بما فيه كالشفاعة للمريض أو شفاء حقيقة للأجسام لما فيه من البركة ، قال عليهالسلام : «من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله» (٣)(وَلا يَزِيدُ) القرآن (الظَّالِمِينَ) أي المكذبين به (إِلَّا خَساراً) [٨٢] أي نقصانا ، لأنهم ينكرون القرآن فيخسرون.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣))
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) أي الكفار بكشف البلاء عنه وبسعة الرزق عليه (أَعْرَضَ) عن ذكر الله وعن التضرع والالتجاء إليه كأنه مستغن عنه (٤)(وَنَأى بِجانِبِهِ) أي تباعد جانبه عن الحق وترك التقرب إليه بالدعاء ، وقيل : «تعظم وتكبر» (٥) ، ولم يلتفت إليه ، وهو تأكيد للإعراض ، لأن الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه وهو جانبه ، والنائ بجانبه أن يعوج عن عطفه ويدبر ظهره (٦) ، قرئ بفتح النون والهمزة ، وبكسرهما ، وبفتح النون وكسر الهمزة ، وبكسر النون وفتح الهمزة ، وبامالة الهمزة وبين بين وناء مثل جاء (٧)(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي الضر في الجسد والشدة في المعيشة (كانَ يَؤُساً) [٨٣] أي قنوطا عن رحمة الله فيترك الدعاء إليه أو معناه : أن يتضرع ويدعو عن الشدة ، فاذا تأخرت الإجابة ترك الدعاء ولا ينبغي للمؤمن أن ييأس من الإجابة وإن تأخرت فيدع الدعاء.
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي كل واحد من الناس يعمل على طريقته التي اختارها من طرق الضلالة والهدى لنفسه ، وهي من الشكل وهو الشبه ، يعني كل يعمل ما يشبهه ، ومنه المثل «كل امرئ يشبهه عمله» (٨)(فَرَبُّكُمْ
__________________
(١) التوبة (٩) ، ٣٣ ؛ الفتح (٤٨) ، ٢٨ ؛ الصف (٦١) ، ٩.
(٢) الأعراف (٧) ، ١٢٩.
(٣) انظر الكشاف ، ٣ / ١٩٠. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.
(٤) كأنه مستغن عنه ، ب س : ـ م.
(٥) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٣ / ٥٢٤.
(٦) والنائ بجانبه أن يعوج عن عطفه ويدبر ظهره ، ب س : ـ م.
(٧) «ونآي» : قرأ ابن ذكوان وأبو جعفر بألف ممدودة بعد النون وبعدها همزة مفتوحة مثل شاء ، والباقون بهمزة مفتوحة ممدودة بعد النون مثل رآي ، ولورش فيهما أربعة أوجه : قصر البدل مع فتح ذات الياء والتوسط مع التقليل والمد مع الوجهين ، ولحمزة عن الوقف التسهيل فقط. البدور الزاهرة ، ١٨٨.
(٨) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٥٢٤.