(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦))
(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ) أي لبني إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) في (١) أرض مصر والشام ، ومعنى «مكن له» جعل له مكانا يقعد عليه أو يرقد ، والمراد تسليطهم وإطلاق أيديهم عليها بالحكم والغلبة ، قوله (وَنُرِيَ) بضم النون ونصب الياء (٢) عطف على (أَنْ نَمُنَّ) ، أي نريد أن نرى نحن (فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ) أي من بني إسرائيل (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [٦] أي الذي يخافونه و (مِنْهُمْ) متعلق ب (نُرِيَ) لا ب (يَحْذَرُونَ) لئلا يتقدم صلة «ما» على الموصول ، أي نظهر نحن للقبط من بني إسرائيل ما كانوا يخافونه من ذهاب ملكهم على يد مولود منهم ، وقرئ بالياء ، أي يري قرعون وقومه ذلك.
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧))
(وَأَوْحَيْنا) أي ألهمنا (٣) إلهاما أو مناما (إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) وهو تفسير الوحي (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من القتل بصياحه وبكائه (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) أي في البحر (٤) ، والمراد بحر النيل (وَلا تَخافِي) عليه من الغرق ولا الضيعة (وَلا تَحْزَنِي) على فراقه ووقوعه في خطر ، والفرق بين الخوف والحزن ظاهر ، إذ الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع يأتي ، والحزن غم يلحقه لواقع قد أتى ، قوله (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [٧] وعد من الله لها بما يسليها ويطمئن قلبها ويسرها من رده إليها للتربية وجعله من المرسلين.
قيل : لما خافت من عيون فرعون لفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور ، فانطلقت إليه فوجدته يلعب بأصبعه في الأرض ، وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما فأخرجته من التنور ، فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها في المنام ، فألقته في اليم بتابوت مطلى بالقار من داخله ، وكان لفرعون ابنة يحبها وبها برص فوصف لها ريق حيوان يشبه الإنسان يخرج من النيل يوم كذا عند طلوع الشمس تلطخ وجهها فتبرأ ، فأقبل التابوت على وجه الماء فقال فرعون علي به (٥).
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨))
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) أي أخذوه (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) عاقبة ، فاللام لام العاقبة لا للتعليل ، لأنهم لم يأخذوه ليكون لهم عدوا يقتل رجالهم (وَحَزَناً) بضم الحاء وسكون الزاء وبفتحهما (٦) ، يستعبد نساءهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) [٨] في كل شيء لا في تربية عدوهم فحسب أو كانوا مذنبين مجرمين ، فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم على أيديهم ففتحت آسية التابوت فوجدت فيه صغيرا ، نوره بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا ولعابه يسيل ، فالتطخت ابنته بلعابه فبرأت فأحبه فرعون وابنته وآسية حبا شديدا ، فقال الغواة من قومه هو الصبي الذي تحذر منه فهم بقتله.
(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩))
(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) أي آسية هذا الغلام (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) فانه أتانا به الماء من مصر آخر فاستوهبته من فرعون فوهبها إياه (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) في مهامنا فان فيه مخائل اليمن ودلائل النفع (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)
__________________
(١) في ، ح : ـ وي.
(٢) «نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما» : قرأ الأخوان وخلف بياء تحتية مفتوحة وبعدها راء مفتوحة وألف بعدها ممالة ورفع نوني «فرعون» و «هامان» ، ورفع دال «وَجُنُودَهُما» ، والباقون بنون مضمومة في مكان الياء وبعدها راء مكسورة وبعدها ياء مفتوحة مع نصب النونين والدال. البدور الزاهرة ، ٢٣٩.
(٣) ألهمنا ، ح : ـ وي.
(٤) أي في البحر ، ح : أي البحر ، وي.
(٥) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٣٢٧ ، ٣٢٨ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢١٥.
(٦) «وَحَزَناً» : قرأ الأخوان وخلف بضم الحاء وإسكان الزاي ، والباقون بفتحهما. البدور الزاهرة ، ٢٣٩.