أي نتبناه (١) لأنه أهل للتبني ، ولم يكن له ولد ذكر (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [٩] أنه يهلكهم أو أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ، وهو حال من (آلُ فِرْعَوْنَ) ، وقوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ) الآية اعتراض واقع بين المعطوف عليه والمعطوف لتأكيد معنى خطئهم ، وهما : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) و (قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ).
(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠))
(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى) أي صار قلبها (فارِغاً) أي خاليا من عقلها من فرط الجزع والدهش لما علمت أن فرعون قد التقطه وقد نسيت وعد الله تعالى بسلامته أو فارغا من كل شيء إلا ذكر موسى أو فارغا من الهم حين سمعت أن فرعون تبناه (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي أنها قربت تظهر سرها بأمر موسى وقصته وإنه ولدها ، لأنها لم تملك نفسها قرحا بما (٢) سمعت (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) أي شددنا عليه السكينة وسكنا قلقه (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [١٠] أي المصدقين بوعدنا لها بأنا رادوه إليك لباحت به.
(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١))
(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ) أي لبنتها وهي أخت موسى (قُصِّيهِ) أي ابتغي أثره ، يعني امشي بجنبه في الجد وهو في الماء (٣) وانظري فيه لتعلمي خبره (فَبَصُرَتْ بِهِ) أي نظرت إليه مستخفية (عَنْ جُنُبٍ) أي عن بعد أو عن جانب (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [١١] أنها أخته وإنه عدو لهم.
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢))
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ) أي منعنا على موسى (الْمَراضِعَ) جمع مرضعة وهي المرأة التي ترضع الولد أو جمع مرضع بمعنى (٤) مرضع أرضاع وهو الثدي ، يعني منعناه من شرب لبن امرأة غير أمه (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل أن تقصي (٥) أخته أثره أو من (٦) قبل مجيء أمه إليه (فَقالَتْ) أخته بعد ما أخذه آل فرعون ولم يقبل رضاع أحد (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أي على من يكفله ويربيه بالضمان لكم (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) [١٢] أي مخلصون في تربيته من شائبة الفساد ، قالوا نعم فجاءت بأمها وهو يصيح فلما شم ريحها قبل ثديها ، فقال فرعون من أنت حتى قبل ثديك دون غيرك ، قالت إني طيبة الريح واللبن لا أوتي بصبي إلا قبلني فأجري أجرتها عليها وذهبت به إلى بيتها ، وإنما أخذت الأجرة على إرضاع ولدها لأنها مال حربي أخذته على وجه الاستباحة لا على وجه الأجرة.
(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
(فَرَدَدْناهُ) أي أنجز الله وعده في رده (إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ) الذي وعد به (حَقٌّ) ثابت مراد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [١٣] أنه حق ، يعني أهل مصر فمكث عندها إلى أن فطمته ورده إلى فرعون فتبناه آسية وفرعون.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤))
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي المبلغ الذي لا يزاد عليه وهو ثلاث وثلاثون سنة (وَاسْتَوى) أي اعتدل في شبابه واستحكم وقوى وهو أربعون سنة ، روي : أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة (٧)(آتَيْناهُ) قبل نبوته (حُكْماً) أي حكمة الأنبياء وهي سنتهم فكان لا يفعل فعلا يستجهل فيه (وَعِلْماً) أي علم مصالح الدارين (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [١٤] أي المؤمنين.
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ
__________________
(١) نتبناه ، ح و : تبناه ، ي.
(٢) بما ، ح ي : ما ، و.
(٣) وهو في الماء ، ح ي : وفي الماء ، و.
(٤) بمعنى ، وي : يعنى ، ح.
(٥) أي من قبل أن تقصي ، ي ، أي من قبل أن تفصني ، ح ، أي من قبل تقصي ، و.
(٦) من ، وي : ـ ح.
(٧) نقله المفسر عن الكشاف ، ٤ / ٢١٧.