(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١))
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ) أي اذكر مريم التي حفظت (فَرْجَها) من الوطئ (فَنَفَخْنا فِيها) أي نفخنا الروح في عيسى فيها ، يعني أحييناه في جوفها ، وقيل : معناه أمرنا جبرائيل فنفخ في جيبها (١) أو في نفسها فحملت عيسى حيا بذلك النفخ (مِنْ رُوحِنا) وإضافة الروح إليه تشريفا لعيسى عليهالسلام (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً) أي علامة وعبرة (لِلْعالَمِينَ) [٩١] أي للإنس والجن ، ولم يقل آيتين ، لأنهما كشيء واحد في الدلالة على خلق ولد بلا فحل.
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢))
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) خطاب للناس جميعا أو للرسل ، أي قلنا يا أيها الرسل هذه الملة ، أي ملة الإسلام ملتكم التي يجب أن تكونوا مع أممكم عليها لا تنحرفون عنها (أُمَّةً واحِدَةً) بالنصب على الحال ، أي يشار إليها حال كونها ملة واحدة ، أي على شريعة واحدة غير مختلفة ، لأنها سبب الفلاح لا غير (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي إلهكم الحق (فَاعْبُدُونِ) [٩٢] أي اعبدوني بالتوحيد.
(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣))
(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) أي تفرقوا في أمرهم وهو دينهم (بَيْنَهُمْ) بعد ذلك أحزابا ، فكل حزب يخالف الآخر كاليهود والنصارى (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) [٩٣] في الآخرة فنجازيهم لتفرقهم في الدين فهو تهديد لهم.
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤))
ثم بين ثواب الثابتين على الإسلام بقوله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) أي الطاعات (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي مصدق بتوحيد الله (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي لا حجد لعمله ولا نسيان لثوابه (وَإِنَّا لَهُ) أي لسعيه (كاتِبُونَ) [٩٤] في صحيفة عمله فنثيبه به.
(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥))
(وَحَرامٌ) أي ممتنع الوجود كامتناع الحرام (عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) بالعذاب فيما مضى (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [٩٥] بالفتح ، أي الرجوع إلى الدنيا بعد الهلاك ف (لا) زائدة وجملة «أن» مبتدأ والخبر ما تقدم من (حَرامٌ) ، وقيل : معناه الإيمان حرام على أهل قرية حكمنا باهلاكهم بالعذاب ، لأنهم لا يرجعون عن كفرهم ف (لا) ثابتة وجملة «أن» تعليل لل (حَرامٌ)(٢).
(حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦))
قوله (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) غاية ل «حرام» ، أي امتناع رجوعهم لا يزول حتى يقوم القيامة ، وذلك إذا فتحت يأجوج ومأجوج ، أي سدهما وهما قبيلتان من الإنس ، قيل : «الناس (٣) كلهم عشرة أجزاء ، تسعة منها يأجوج ومأجوج» (٤)(وَهُمْ) أي يأجوج ومأجوج بعد خروجهم من السد (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) أي من نشز (يَنْسِلُونَ) [٩٦] أي يسرعون من نسل أسرع وعسل ، قيل : يخرجون بعد الدجال فيفسدون في الأرض فيبعث الله عليهم دابة مثل النغف فيلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون فتنتن الأرض فيرسل الله مطرا فيطهرها (٥).
__________________
(١) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٨٥.
(٢) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ٨٦.
(٣) كلهم ، وي : ـ ح.
(٤) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٧٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٧١.
(٥) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٢ / ٣٧٩.