(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨))
(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) أي قيام الساعة ، قيل : الواو زائدة فيه ، لأنه جواب «إذا» أقحمت لتأكيد لصوق الجزاء بالشرط (١)(فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) «هي» ضمير مبهم تفسره الأبصار كما فسروا وأسروا الذين ظلموا في قوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٢) ، أي عند ظهور الوعد الحق فاتحة (أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فلا تكاد تطرف لهول ما ترى يومئذ قائلين (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ) أي في جهلة (مِنْ هذا) اليوم ، ثم تذكروا أخبار الرسل فقالوا (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) [٩٧] في تكذيب الرسل إلينا وقال تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي الأصنام وإبليس وأعوانه ، وإنما قرنوا بأصنامهم وغيرها لأنهم كانوا يقدرون الانتفاع بهم في الآخرة ، فاذا انعكس الأمر فيها لم يكن شيء أبغض إليهم منهم ، وقيل : فيه زيادة عقوبة لهم (٣) ، روي : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم ، وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما وجلس إليهم فعرض له النضر بن الحارث كلها ، فكلمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أفحمه ثم تلا عليهم «إنكم وما تعبدون من دون الله» (٤)(حَصَبُ جَهَنَّمَ) وهو ما يوقد فيها كالحطب (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) [٩٨] أي داخلون فيها.
(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩))
(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) أي جهنم (وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) [٩٩] أي (٥) لا يخرجون عنها (٦).
(لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١))
(لَهُمْ) أي للعابدين منهم (فِيها) أي في النار (زَفِيرٌ) وهو تردد النفس الشديد الغضب في جوفهم حتى ينتفخ الضلوع كأول صوت الحمار (وَهُمْ فِيها) أي في النار (لا يَسْمَعُونَ) [١٠٠] زفيرهم ولا صوتا آخر لشدة غليان النار ولما بهم من الألم أو يجعل المسامير من نار في آذنهم أو يجعلون في توابيتهم من نار مغلقة تمنع السمع ، فأخبر الوليد بن المغيرة بقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ابن الزبعري ، فقال ابن الزبعري للنبي عليهالسلام : أرأيت ما قلت لقومك آنفا أخاص لهم أم عام؟ قال : عام ، قال أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» ، فأنزل الله تعالى (٧)(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) أي الجنة أو السعادة أو التوفيق للطاعة كعيسى وعزير (أُولئِكَ عَنْها) أي عن النار (مُبْعَدُونَ) [١٠١] أي منجون.
(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢))
(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أي الصوت الخفي منها إذا دخلوا الجنة (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ) أي تمنت (أَنْفُسُهُمْ) في الجنة (خالِدُونَ) [١٠٢] أي دائمون.
(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣))
(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وهو النفخة الأخيرة أو الانصراف إلى النار أو حين يذبح الموت على صورة كبش أملح بين الجنة والنار وينادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) عند باب الجنة مهنين قائلين (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [١٠٣] فيه الجنة والثواب (٨).
__________________
(١) أخذ المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٨٨.
(٢) الأنبياء (٢١) ، ٣.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٨٠.
(٤) وهذا منقول عن الكشاف ، ٤ / ٧٢.
(٥) أي ، ي : ـ ح و.
(٦) عنها ، ح ي : منها ، و.
(٧) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٨٩ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٥٦.
(٨) الثواب ، ح و : النار ، ي.