يغضب فوفى بذلك ، وإنما ذكره مع الأنبياء لأن عمله كعمله (كُلٌّ) أي كل واحد من المذكورين (مِنَ الصَّابِرِينَ [٨٥] وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) أي أكرمناهم بالنبوة أو بطاعتنا (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٨٦] أي معهم في الجنة.
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧))
(وَذَا النُّونِ) أي اذكره وهو صاحب الحوت اسمه يونس بن متى (إِذْ ذَهَبَ) من قومه المرسل إليهم (مُغاضِباً) أي شديد الغضب عليهم ، لأنه وعظهم فلم يتعظوا ، وقيل : ذهب منهم كارها لدينهم ، وكان ضيق الصدر سريع الغضب وذلك أنه لما دعاهم إلى الإيمان بالله وترك الشرك كذبوه ووعدهم ثلاثة أيام بنزول العذاب بهم ، فأتاهم العذاب فأخلصوا لله بالدعاء فصرف عنهم وكان يونس اعتزلهم ينتظر هلاكهم فسأل بعض من مر علي من أهل تلك المدينة ، فلما علم أنهم لم يهلكوا كره أن يرجع إليهم مخافة أن ينسب إلى الكذب فذهب مغاضبا وكارها لذلك إلى الساحل فوجد قوما قد شحنوا سفينتهم ، فقال لهم : أتحملوني معكم فعرفوه وحملوه ، فلما ذهبت السفينة إلى وسط البحر تكفأت بهم ، فقال ملاحوها يا قوم أن فيكم رجلا عاصيا ، لأن السفينة لا تفعل هكذا من غير ريح إلا وفيها عاص ، فاقترعوا فخرج سهم يونس فقال أنا والله لعاص فتلفف في كسائه فرمى نفسه في البحر فابتلعه الحوت (١) ، فبقي في بطنه سبعة أيام (٢) ، وقيل : أربعين (٣) ، وقيل : يوما (٤)(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي ظن يونس أن لن نقضي عليه بالعقوبة (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) أي في ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل (أَنْ) أي بأن (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [٨٧] لنفسي بمغاضبتي ، قاله اعترافا بذنبه ، قال صلىاللهعليهوسلم : «ما من مكروب يدعو يهذا التسبيح إلا استجيب له» (٥).
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨))
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ) نداءه (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ) أي من غم الماء وبطن الحوت أو الذنب (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [٨٨] بالتخفيف والتشديد (٦) ، أي مثل ذلك الإنجاء ننجي الموحدين ، قيل : إنه بعث نبيا قبل ابتلاع الحوت وبعده (٧).
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩))
(وَزَكَرِيَّا) أي اذكره (إِذْ نادى رَبَّهُ) أي دعاه (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) أي وحيدا بلا ولد يرثني (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) [٨٩] أي أفضلهم رزقتني ولدا أو لم ترزقني إياه.
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠))
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ) نداءه (وَوَهَبْنا لَهُ) أي لزكريا ولدا اسمه (يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) أي جعلناها حسنة الخلق بعد أن كانت سيئة الخلق وأحسنها وجها بعد أن كانت قبيحة الوجه وأصلحنا رحمها وكانت لا تلد لعقمها فصارت ولودا بعد العقم (إِنَّهُمْ كانُوا) أي الأنبياء الذين سبق ذكرهم ، وقيل : إن زكريا وامرأته ويحيى كانوا (٨)(يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي يبادرون في الأعمال الصالحة (وَ) كانوا (يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) أي رغبة فيما عندنا ورهبة من عذابنا (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) [٩٠] أي ذليلين متواضعين ، والخشوع الخوف اللازم للقلب بالمعرفة.
__________________
(١) اختصره المفسر من السمرقندي ، ٢ / ٣٧٧.
(٢) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٤ / ٨٣.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٧٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٨٣.
(٤) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٥) روى الترمذي نحوه ، الدعوات ، ٨٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٧٠.
(٦) «ننجي» : قرأ الشامي وشعبة بنون واحدة مضمومة وتشديد الميم ، والباقون بنونين الأولى مضمومة ، والثانية ساكنة مع تخفيف الجيم. البدور الزاهرة ، ٢١٢.
(٧) نقل المؤلف هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٨٤.
(٨) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٣٧٨.