مرسل إلا يخرّ جاثيا لركبتيه ، ينادي على حياله : نفسي نفسي ، ثمّ تزفر أخرى ، فلا يبقى في عين أحد قطرة من الدموع إلّا بدرت ، ثمّ تزفر أخرى فتعلو بياض العيون سوادها ، وتشخص الأبصار ، فلا ينطق أحد ، ولا يطرف ، ولا يعقل ، ثمّ يضرب الصراط على متن (١) جهنّم ، طوله مسيرة ثلاثة آلاف سنة : ألف سنة صعود ، وألف سنة هبوط ، وألف سنة سهولة ، بين حائطين من نار ، عرض كلّ حائط مسيرة ثلاث ليال ، على حافّتيه الزبانية ، معهم الحسك والكلاليب ، فقام رجل من الأزد ، يقال له : جندب بن زهير (٢) ، إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، إنّي لأرجع من عندك إلى منزلي فما تقرّ عيني في مال ولا ولد حتى أرجع ، فأنظر إليك (٣) ، فأنّى لي بك في غمار القيامة؟ قال : يا جندب ، انظرني عند عقر حوضي ، فإن لم تلقني ، فانظرني في مقام الشفاعة ، فإن لم تلقني فانظرني على شفير جهنّم والخلائق يمرّون ، وأنا أنادي : يا ربّ سلّم سلّم ، وجبريل ينادي : يا ربّ سلّم سلّم ، وألف ألف وأربع مئة ألف نبيّ من ولد يعقوب ينادون : اللهمّ بشرف محمد سلّم ، أي جندب بن زهير ، فكم من مخدّش مرسل؟ وكم من مختطف هاو ومكردس في النار؟ وخزّان الجنّة على أبواب الجنّة معهم الحليّ والحلل والتيجان من ألوان الجوهر ينتظرون أولياء الله ، ثمّ ذكر باقي الحديث ، والجمع بين هذا الحديث وبين قوله : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) [الأنبياء : ١٠٢] ، يعني : لا يسمعون بعد دخول الجنّة ، فأمّا ما قبله فالأمر على ما تضمّنه الحديث.
(حَتْماً مَقْضِيًّا) : واجبا لازما ، (٢١١ و) وإيجاب الله على نفسه مجاز ، وحقيقة وجوب وعده ، وتأكّد قضائه ، وصدق قوله ، وانبرام حكمه على وجه لا يليق بربوبيته غيره.
وقيل : الورود غير الدخول ، كقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٣]. (٤) وعن أمّ مبشّر ، امرأة زيد بن حارثة (٥) قالت : كان النبيّ عليهالسلام في بيت حفصة (٦) وقال : «لن يدخل النار ، إن شاء الله ، أحد (٧) شهد بدرا والحديبية» ، فقالت : ألا تسمع إلى قول الله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ
__________________
(١) ك : سنن.
(٢) جندب بن زهير بن الحارث الأزدي الغامدي. ينظر : تاريخ دمشق ١١ / ٣؟؟؟ والإصابة ١ / ٢٤٨.
(٣) ساقطة من ع.
(٤) ينظر : تفسير الماوردي ٣ / ٣٨٥ عن ابن مسعود ، وزاد المسير ٥ / ١٩٠ عنه وغيره.
(٥) وقيل : أم بشر بنت البراء بن معرور ، ينظر : رجال مسلم ٢ / ٤٢٠ ، والمقتنى في سرد الكنى ٢ / ١٧١. وزيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي المحمدي ، سيد الموالي ، مولى رسول الله عليهالسلام ، الأمير الشهيد ، المسمى في سورة الأحزاب ، استشهد يوم مؤتة سنة ٨ ه. ينظر : الاستيعاب ٢ / ٥٤٢ ، وصفة الصفوة ١ / ٣٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٠.
(٦) أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية القرشية ، توفيت سنة ٤٥ ه. ينظر : المنتخب من كتاب أزواج النبي ٣٩ ، والطبقات الكبرى ٨ / ٨١ ، والإصابة ٤ / ٢٧٣.
(٧) ك : أحدا.