وكيف يوجب على الأمّة وعليه حكما ثمّ يتركه من غير نسخ ولا إبطال؟ ولو تسبّ الكفّار نبيّا لم يسبّوه بأعظم من ذلك.
وإذا امتنع منه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ ترك الوصية ، بطل القول بالاختيار.
لا يقال : إنّما ندب إلى الوصية لمن كان عليه دين أو وصاية لغيره ، [أو] (١) كان له طفل ، إلى ما جرى هذا المجرى. فأمّا الأمور الدينية [فلم] (٢) يرد الشرع بالوصية فيها أصلا.
لأنّا نقول : الوصية في الدين أعظم من الوصية في الأمور الدنيويّة ، وبالخصوص من النبيّ عليهالسلام الذي هو مبدأ [الخير] (٣) ، ومنبع الدين ومعلّمه والمرشد إليه والدالّ عليه ، وقد حصر الله أحواله في الإنذار ، فقال تعالى : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٤) ، ومنصبه أعلى المناصب وأرفعها شأنا ، فكيف يجوز أن يهمله ويجعله منوطا بمن يتلاعب به ، ومن يوصله إلى غير مستحقّه؟
وكيف يمتنع ندب الوصية في الأمور الدينية وقد ذكر الله تعالى في كتابه وصيّة إبراهيم لبنيه ، وكذلك يعقوب ، قال الله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) (٥)؟
وكيف يجوز أن تجب الوصية في أمور الدنيا ولا تجب في أمور الدين ممّن هي منوطة به ومن هو مبعوث لأجلها وللإرشاد إليها؟
الوجه الرابع والعشرون : لو كان لجماعة الأمّة أو لبعضها أن يختاروا الإمام [لوجب] (٦) أن يكونوا أعلم من الإمام ؛ ليعرفوا بالامتحان علم الإمام وفضله ؛
__________________
(١) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».
(٢) في «أ» : (فلو) وما أثبتناه من «ب».
(٣) في «أ» : (بالخير) وما أثبتناه من «ب».
(٤) فاطر : ٢٣.
(٥) البقرة : ١٣٢.
(٦) في «أ» : (لوجوب) ، وما أثبتناه من «ب».