نعم ، لا ترتبط الآية على هذا بصدرها ، وهو قوله تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) مع أنّ الظاهر أنّها في مقام التعليل له ، فلو روعي مناسبة الصدر لزم حمل الموصول على المال أو الفعل ، فتصير الآية أجنبيّة عن المقام دليلا على اشتراط التكليف بالقدرة ، ولا يتيسّر الجمع بين المعنيين ؛ لأنّ نسبة الفعل إلى المفعول المطلق نسبة صوريّة كلاميّة ، ونسبته إلى المفعول به واقعيّة ، ولا جامع بين النسبتين.
ويمكن الجمع بين ظهور الآية المؤكّد بالرواية في إرادة التكليف من الموصول على أن يكون مفعولا مطلقا ، ومع ذلك يكون الارتباط فيها محفوظا مريدا من الآية أنّ الله لا يكلّف إلّا بعد البيان ، ولم يبيّن في موضع من المواضع وجوب الإنفاق ممّا لا يتيسّر فيعلم أن لا تكليف ، فيفهم من التعليل إرادة عدم وجوب الإنفاق من غير الميسور عرفا لا من غير الميسور عقلا حتّى يقال : إنّ المناسب حينئذ التعليل بقبح التكليف عقلا ، لا بعدم بيان التكليف شرعا.
ويشهد له الجمع في الرواية بين الاستدلال بهذه الآية وآية (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) فإنّ مقابل الوسع الضيق لا القدرة.
ومنها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢) وقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي)(٣) (أُمِّها رَسُولاً)(٣) وقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(٤).
وتقريب الاستدلال بالآيات الثلاث واحد ؛ فإنّها متّفقة الدلالة على أنّ أثر المعصية من العذاب والهلاك والضلالة موقوف على بيان التكليف ببعث الرسول ، مريدا من الرسول إمّا الشخص الخاصّ المتّصف بالعصمة ، أو مطلق المبلّغ للحكم.
والجواب أوّلا : أنّ مؤدّى الآيات نفي التعذيب الفعلي قبل تبليغ الرسول لا نفي الاستحقاق ، فلعلّ الاستحقاق ثابت ومن باب التفضّل لا يهذّب.
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢٨٦.
(٢). الإسراء (١٧) : ١٥.
(٣) القصص (٢٨) : ٥٩.
(٤) التوبة (٩) : ١١٥.