حقيقي إلى مراد تبعي منبعث من مراد أصلي صيانة عليه وحفظا له ، فأمر «احفظ» لا يقصر ولا يفتر عن أمر «صلّ» و «صم» لا بمقام واقعه ولا بمقام بعثه ، والمكلّف لمكان هذا البعث ألزم بالفعل إلّا أن يتفحّص ويخرج نفسه عن موضوع «احفظ» ، وأمّا قبله فلا محيص له من الاحتياط.
إن قيل : كيف يعقل اعتبار العلم بالبعث في هويّة التكليف؟ وهل يعقل اعتبار العلم بالشيء في قوام ذات ذلك الشيء؟
نقول : ما هو المعتبر في التكليف هو العلم بالبعث دون نفس التكليف ليكون من أخذ العلم بشيء في حقيقة ذلك الشيء.
ولا يدفع ما ذكرناه بأنّ البعث الصوري لا يكون بعثا ما لم يكن مترشّحا من إرادة واقعيّة بالفعل ، فأخذ العلم بالبعث في حقيقة التكليف أخذ للعلم بالتكليف في حقيقة التكليف وما له إليه ، وهو باطل ، وذلك أنّ نفس الإرادة البعثيّة والبعث الصوري ـ وإن لم يكن متنزّلا من إرادة واقعيّة ـ موضوع لحكم العقل ب «أطع» لكن بشرط أن يكون الفعل بما أنّه إنفاذ لكلمة المولى وإجراء لبعثه مرادا له ، وإن لم يكن بعنوانه الواقعي مرادا له.
نعم ، فيما لا هذا ولا ذاك ـ كما في إنشاء الطلب سخريّة ومستهزئا ـ لا يلزم العقل بالفعل.
فحكم العقل ب «أطع» يعمّ ما إذا كان البعث متنزّلا من إرادة واقعيّة متعلّقة بالفعل بعنوانه الواقعي وكان البعث مقدّميّا لحفظ المراد الواقعي ، وما إذا كان البعث موضوعيّا ونتيجة البعث ـ أعني انبعاث العبد من إنشائه ـ مرادا له بأن تكون المصلحة في أن يأمر وذاك يفعل ، بل لغرض له في نفس الفعل ، بل الغرض كان قائما في إنفاذ قوله وهذا العنوان كان مرادا له ، فحينئذ أيضا يحكم العقل بالانبعاث ، وتمشيته لكلمة المولى وإنفاذا لقوله وتحصيلا لغرضه.
هذا ، وحسب ما ذكرناه يكون مال اعتبار العلم بالتكليف إلى اعتبار القدرة فيه ، لا أنّه شرط برأسه وراجع إلى مقام التنجّز ؛ فإنّ المراد هو الفعل الصادر بداعي البعث وعن علم بالبعث ، وهذا غير مقدور ؛ حيث لا علم ، فحيث لا علم لا تكليف. وقد تفطّن إلى ما ذكرناه السيّد أبو المكارم بن زهرة فقال : «التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق» (١).
__________________
(١). غنية النزوع «ضمن الجوامع الفقهية» : ٤٦٤.