المولى خصوصيّتها هو تعلّقها بفعل العبد من طريق مخصوص ومقدّمة مخصوصة ، وهو طريق البعث أعني الإعلام بالإرادة بداعي حركة العبد نحو المراد وإتيانه بالمراد.
فالإرادة جنس عامّ يشمل كلّ إرادة حتّى المتعلّقة منها بفعل النفس ، وقد خرجت هذه بقيد التعلّق بفعل العبد ، كما خرج بقيد أن يكون ذلك من طريق البعث ما كان من سائر الطرق ، وهذا متّسع الذيل يندرج فيه الإرادة المتعلّقة بالفعل الاضطراري للغير كسحب زيد وإدخاله الدار ، وإلقاء عمرو من شاهق ، وهكذا. كما يندرج فيه الإرادة المتعلّقة بالفعل الاختياري للغير لكن من غير طريق البعث ، فمنه ما كان من طريق بذل الأجرة وغيرها من المرغّبات ، ومنه ما كان من طريق الإيهاب والتخويف وغيره من المكاره ، ومنه ما كان بطريق الحيل واللطائف وهكذا ، وكلّ هذا خارج من التكليف.
نعم ، ما كان البعث فيه بالتخويف بالعقاب يشارك في إلزام العقل بالفعل دفعا للضرر المتوعّد عليه.
فإذا استحضرت هذا ، علمت ألا جهل يتصوّر في التكليف ؛ فإنّ حقيقته لمّا كانت منوطة بالإعلام ـ إذ كانت عبارة عن الإرادة من مسلك الإعلام ـ فإن كان إعلام الذي يلزمه أن يكون علم كان التكليف فعليّا بالقطع ، وإن لم يكن كان غير فعليّ بالقطع ، فلا شكّ يتصوّر بالنسبة إلى التكليف.
نعم ، يتصوّر ذلك بالنسبة إلى سائر أقسام الإرادة الخارجة عن حقيقة التكليف ممّا أشرنا إليه.
نعم ، يعقل أن يشكّ شخص في تكليف آخر وأنّه هل أعلم بالإرادة ، وبعث نحو الفعل أولا؟ وأمّا أن يشكّ بالنسبة إلى تكليف نفسه فلا.
ولا يشكل على ما ذكرناه بأنّه مستلزم لعدم وجوب الفحص عن التكليف ؛ إذ المكلّف قبل الفحص وفي ظرف عدم العلم قاطع بعدم التكليف فمن أيّ شيء يتفحّص إلّا أن يكون الفحص وإدخال النفس في موضوع التكليف واجبا نفسيّا ، كما ذهب إليه بعض.
وذلك لأنّا إنّما نقول بالفحص من أجل قيام الدليل على وجوب الاحتياط قبل الفحص ، وهذا بعث طريقي لأجل حفظ التكاليف الواقعيّة. والإعلام والبعث الذي نعتبره في موضوع التكاليف الواقعيّة هو ما يعمّ مثل هذا البعث ؛ فإنّه لا يقصر عن سائر أفراد البعث ؛ فإنّه بعث