وعن الرواية
الأولى : بأنّ كون النيّة شرّا لا بدّ أن يكون باعتبار المنوي لا في ذاتها ، وقد
وقع التصريح بذلك في الأخبار. ولو فرض كونها شرّا في ذاتها كانت محرّمة بنفسها إذا
قلنا أنّها في نفسها اختياريّة قابلة للنهي ، وذلك غير ما هو المقصود ؛ إذ لا بحث
في ترتّب العقاب على القصد إذا كان بنفسه موردا للنهي.
وعن الرواية
الثانية : بأنّ ظاهر حشر الناس على نيّاتهم حشرهم بصورة ملكاتهم ، كأن يحشر
المتكبّر بصورة النملة ، وذلك غير استحقاق العقاب على القصد.
وعن الرواية
الثالثة : بأنّ علّة الخلود هو نيّة الخلود في المعاصي على تقدير الخلود في الدنيا
، لا الخلود في النيّة. فتكون الرواية أجنبيّة عن ترتّب العقاب على القصد ، فلعلّ
المعصية بهذا القصد يتغلّظ عقابها بالنسبة إلى المعصية عازما على التوبة وترك
العود ـ على أن يكون عنوان المعصية يختلف ـ لا أنّ العقاب يكون على القصد.
وعن الرواية
الرابعة : بأنّ عقاب المقتول لعلّه من جهة إرادته قتل صاحبه ، ثمّ حركته نحو
المراد بإتيان مقدّماته دون مجرّد القصد الساذج. ومقدّمات القتل في المقام بأنفسها
محرّمة لا بعنوان المقدّميّة ؛ فإنّ إرعاب المؤمن وتخويفه بسلّ السيف عليه محرّم
في ذاته ، فيكون العقاب على ذلك لا على القصد الساذج.
ومن هذا يظهر
الجواب عن الرواية الخامسة ، وقد تقدّم الجواب عن الرواية السادسة عند الجواب عن
الآيات.
ثمّ لو سلّمنا
دلالة الأخبار على المقصود ، فهي معارضة بأخبار أخر دلّت على خلافها. وقد عقد لذلك
بابا في أصول الكافي ، ونحن نقتصر على نقل رواية واحدة نموذجا للبقيّة ، فعن زرارة
عن أحدهما عليهماالسلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذرّيّته أنّ من
همّ بحسنة ولم يعلمها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له عشرا ، ومن همّ
بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه ، ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيّئة» .
والجمع بين
الطائفتين ، حمل الطائفة الأولى على بعض ما ذكرناه في الأجوبة.
وعن الإجماع بثبوت
الخلاف لفتوى جمع بعدم تحقّق المعصية في الفرع المتقدّم. مضافا
__________________